( لنرسل عليهم حجارة من طين ، مسومة عند ربك للمسرفين ) . .
وهذه الحجارة الطينية المعلمة أو المعدة المجهزة عند الله للمسرفين المتجاوزين الحق - وقوم لوط كانوا مسرفين في تجاوزهم للفطرة والحق والدين - لا يمتنع أن تكون حجارة بركان ثائر يقذف بالحمم الطيني من جوف الأرض .
فهي ( عند ربك )بهذا الاعتبار مسلطة - وفق إرادته ونواميسه - على من يريد من المسرفين . مقدرة بزمانها ومكانها وفق علمه وتدبيره القديم . وأن يتولى إرسالها - في إطار إرادته ونواميسه - ملائكته . وهل ندري نحن حقيقة ملائكته ? وهل ندري حقيقة علاقتهم بهذا الكون ومن فيه وما فيه ? وهل ندري حقيقة القوى الكونية التي نسميها من عندنا أسماء بحسب ظواهرها التي تتكشف لنا بين الحين والحين ? وما لنا نعترض على خبر الله لنا أنه سلط بعض هذه القوى في وقت ما ، لترسل بعض هذه القوى في صورة ما ، على قوم ما ، في أرض ما ، ما لنا نعترض على خبر الله لنا ، ونحن ما نزال كل ذخيرتنا من المعرفة فروض ونظريات وتأويلات لظواهر تلك القوى . أما حقيقتها فهي عنا بعيدة ? ! فلتكن حجارة بركانية أو لتكن حجارة أخرى فهذه كتلك في يد الله ، ومن صنعه ، وسرها غيب عنده يكشفه حين يشاء !
{ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً } أي : معلمة { عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } أي : مكتتبة عنده بأسمائهم ، كل حجر عليه اسم صاحبه ، فقال في سورة العنكبوت : { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } [ العنكبوت : 32 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ * مّسَوّمَةً عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ يقول : لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين مُسَوّمةً يعني : معلّمة . كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للمُسْرِفِينَ قال : المسوّمة : الحجارة المختومة ، يكون الحجر أبيض فيه نقطة سوداء ، أو يكون الحجر أسود فيه نقطة بيضاء ، فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين ، يعني للمتعدّين حدود الله ، الكافرين به من قوم لوط فأَخرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره : فأخرجنا من كان في قرية سدوم ، قرية قوم لوط من أهل الإيمان بالله وهم لوط وابنتاه ، وكنى عن القرية بقوله : مَنْ كانَ فِيها ولم يجر لها ذلك قبل ذلك .
الحجارة : اسم جمع للحجر ، ومعنى كون الحجارة من طين : أن أصلها طين تحجَّر بصهر النار ، وهي حجارة بركانية من كبريت قذفتها الأرض من الجهة التي صارت بحيرة تدعى اليوم بحيرة لوط ، وأصعدها ناموس إلهِي بضغط جعله الله يرفع الخارج من البركان إلى الجو فنزلت على قرى قوم لوط فأهلكتهم ، وذلك بأمر التكوين بواسطة القوى الملكية .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ" يقول: لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين "مُسَوّمةً" يعني: معلّمة... عن ابن عباس قوله: "مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للمُسْرِفِينَ" قال: المسوّمة: الحجارة المختومة... فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين، يعني للمتعدّين حدود الله، الكافرين به من قوم لوط.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{لنُرسِل عليهم حجارة من طين} دلّ قوله تعالى: {حجارة من طين} على ما ذكر في آية أخرى: {حجارة من سجّيل} [هود: 82 والحجر: 84] أن السّجّيل ليس هو اسم المكان على ما ذكر بعض أهل التأويل، ولكن السّجّيل اسم الطين على ما ذكره ههنا، وهو طين مطبوخ كالآجُرِّ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالمسرف: المكثر من المعاصي، وهو صفة ذم، لأنه خروج عن الحق. ونقيض الاسراف الاقتار، وهو التقصير عن بلوغ الحق...
وإرسال الرسول: إطلاقه بالأمر إلى المصير إلى من أرسل إليه، فالملائكة أمروا بالمصير إلى قوم لوط لإهلاكهم. وإرسال الحجارة إطلاقها...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
أي: معلمة، ويقال: العلامات هي خواتيم على الأحجار، وقيل: كان اسم كل من يهلك بذلك الحجر من الكفار مكتوبا على ذلك الحجر...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{لنرسل عليهم} أي لنهلكهم بهذه الحجارة. ومتى اتصلت «أرسل» ب «على»: فهي بمعنى المبالغة في المباشرة والعذاب. ومتى اتصلت ب «إلى»، فهي أخف. وانظر ذلك تجده مطرداً. وقوله تعالى: {حجارة من طين} بيان يخرج عن معتاد حجارة البرد التي هي من ماء.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
"لنرسل عليهم حجارة من طين " أي لنرجمهم بها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{لنرسل عليهم} أي من السماء التي فيها ما وعد العباد به وتوعدوا {حجارة من طين} أي مهيأ للاحتراق والإحراق.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(لنرسل عليهم حجارة من طين، مسومة عند ربك للمسرفين).. وهذه الحجارة الطينية المعلمة أو المعدة المجهزة عند الله للمسرفين المتجاوزين الحق -وقوم لوط كانوا مسرفين في تجاوزهم للفطرة والحق والدين- لا يمتنع أن تكون حجارة بركان ثائر يقذف بالحمم الطيني من جوف الأرض. فهي (عند ربك) بهذا الاعتبار مسلطة -وفق إرادته ونواميسه- على من يريد من المسرفين. مقدرة بزمانها ومكانها وفق علمه وتدبيره القديم. وأن يتولى إرسالها -في إطار إرادته ونواميسه- ملائكته.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
تحمل علامات قضاء الله المحتوم بهلاكهم، فقد تجاوزوا الحدود التي فرضها الله لعباده.