اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ} (33)

قوله : { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } فيه دليل على رَجْم اللائط . والفائدة في إرسال جماعة من الملائكة لهذا الأمر وإن كان يكفي فيه الواحد منهم ، أنَّ الملك العظيم قد يهلك بالأمر الحقير كما هلك النُّمْرُود بالبَعُوض ، وكما أُهْلِكَ بالقُمَّل والجَرَاد بل بالرِّيح التي بها الحياة إظهاراً للقدرة ، وقد تكثر الأسباب كما في يوم بدر أُمِرَ خمسة آلاف من الملائكة بإهلاك أهل بدر مع قلتهم إظهاراً لعظيم قدرته . وقوله : «مِنْ طِينٍ » أي ليست من البَرَدِ والفاعلُ لذلك هُو اللَّهُ تعالى لا كما يقول الحكماء فإنهم يقولون : إن البَرَد يسمى حجارة فقوله : «مِنْ طِينٍ » يدفع ذلك التَّوَهُّمَ{[52880]} .

قال ابن الخطيب : إن بعض من يَدَّعي العَقل{[52881]} ( يقول ){[52882]} : لا ينزل من السماء إلا حجارة من طين مدوَّرات على هيئة البَرد وهيئة البَنَادِق التي يتخذها الرماة ، قالوا : وسبب ذلك أن الإعصار يصعد{[52883]} الغُبَار من الفلَوَاتِ العظيمة التي لا عِمَارَةَ فيها والرياح تسوقها إلى بعض البلاد ويتفق ( وصول ){[52884]} ذلك إلى هواء نَدِيّ فيصير طيناً رَطْباً ، والرطب إذا نزل وتفرق استدار بدليل أنك إذا رميت الماء إلى فوق ثم نظرت إليه رأيته ينزل كراتٍ مُدَوَّرَاتٍ كاللآلئِ الكِبَار ثم في النزول إذا اتفق أن تضربه النيران التي في الجو جعلته حجارة كالآجُرّ{[52885]} المطبوخ فينزل فيصيب من قدر الله هلاكه وقد ينزل كثيراً في المواضع التي لا عِمارة بها ، فلا يُرى ولا يُدْرَى به فلهذا قال : «مِنْ طينٍ » لأ( نَّ ) ما لا يكون من طين كالحجر الذي في الصواعق لا يكون كثيراً بحيث يمطر ، وهذا تعسُّف ، لأن ذلك الإعصار لما وقع فإن وقع بحادث آخر لزم التسلسل ، ولا بدّ من الانتهاء إلى محدِث ليس بحادث فذلك المحدث لا بدّ وأن يكون فاعلاً مختاراً ، والمختار له أن يفعل وله أن يَخْلُق الحِجَارة من طين على وجه آخر من غير نارٍ ولا غبارٍ ، لكن العَقل لا طريق له إلى الجزم بطريق إحداثه وما لا يصل العقل إليه فلا يؤخذ إلا بالنقل والنص ومن المعلوم أن نُزُول حجارة{[52886]} الطين من السماء أغرب وأعجب من غيرها{[52887]} .


[52880]:بالمعنى من المرجع السابق.
[52881]:في الرازي: النظر.
[52882]:سقط من أ وكذا هو موجود في الرازي كـ "ب".
[52883]:في ب تصعد.
[52884]:زيادة من الرازي للتوضيح.
[52885]:ويسمى: الأَجُور واليَأجُور والآجُرُون والآجُرّ والآجُرُ وكلها بمعنى طبيخ الطين. والبرد حَبّ الغمام.
[52886]:نفي ب الحجارة الطين، وفي الرازي: الحجارة التي من طين.
[52887]:وانظر: تفسير الإمام الرازي 28/218 و217