و { ما لكم } استفهام إنكاري لحالة حكمهم ، ف { ما لكم } مبتدأ وخبر وقد تقدم في قوله تعالى : { قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله } في سورة البقرة ( 246 ) .
وكيف تحكمون } استفهام إنكاري ثان في موضع الحال من ضمير { لكم ، } أي انتفى أن يكون لكم شيء في حال حكمكم ، أي فإن ثبت لهم كان منكراً باعتبار حالة حكمهم .
والمعنى : لا تحكمون أنكم مساوون للمسلمين في جزاء الآخرة أو مفضلون عليهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني تقضون، إن هذا الحكم لجور أن تعطَوْا من الخير في الآخرة ما يعطى للمسلمين...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
أتجَعلون المطيع لله من عبيده، والعاصي له منهم في كرامته سواء؟ يقول جلّ ثناؤه: لا تسوّوا بينهما فإنهما لا يستويان عند الله، بل المطيع له الكرامة الدائمة، والعاصي له الهوان الباقي...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
في أن أجعل عدوي بمنزلة وليّي ووليي بمنزلة عدوي؟ أو أي شيء حملكم على حكمكم هذا، ولم يأتكم بهذا الحكم كتاب، ولا معقول يوجب ذلك؟ فكيف تطمعون ذلك؟ أو كيف تحكمون بالجور على ربكم؟ لأن من الجور أن يجمع بين الولي والعدو في دار الكرامة.
والحكمة توجب التفرقة بين الجزاءين، فلا يجوز أن يجعل المسلم فيه كالمجرم لما فيه من تضييع الحكمة، وليس قبل المحنة معنى يوجب التفرقة بينهما في دار المحنة، فجائز أن يقع بينهما الاتفاق في ذلك. ولأنه لو كان تفرق بينهما في الدنيا لكانت المحنة تخرج عن حدها، والدنيا هي دار المحنة، وإنما قلنا: إن فيه إخراج المحنة عن حدها لأن المحنة تكون على الرجاء والخوف والرغبة والرهبة. فلو فرق بين العدو والولي في الدنيا، فوسع على الأولياء، وضيق على الأعداء، لوقع اختيار وجه الولاية على الضرورة، لأن من علم أنه يضيق عليه إذا اختار وجه العداوة، وتجعل عليه العذاب، ترك ذلك الوجه، ومال إلى الولاية، فيرتفع وجه المحنة. فلذلك جاز أن يجمع بين الولي والعدو في دار المحنة ليبقى وجه الحكمة، بحاله، ولم يجز أن يجمع بينهما في الآخرة لأنها دار جزاء. والعقل يوجب تفرقة جزائهما، والله الموفق.
وقوله تعالى: {ما لكم كيف تحكمون} في أحكم الحكماء بالسفه حين تزعمون، أنه يجمع بين الولي والعدو في الجزاء، وذلك من أعلام السفه؟
أو كيف تحكمون في أحكم الحاكمين وأعدل العادلين بالجور، إذ تزعمون أنه يجمع بين الفريقين في دار الكرامة، ومن الجور أن يجمع بينهما؟ وهم كانوا يقرون أن الله تعالى أحكم الحاكمين...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الأعوج؟ كأنّ أمر الجزاء مفوّض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
ثم التفت إليهم فقال: {ما لكم}، أي: أي شيء لكم فيما تزعمون؟ وهو استفهام إنكار عليهم. ثم قال: {كيف تحكمون}، وهو استفهام ثالث على سبيل الإنكار عليهم، استفهم عن هيئة حكمهم. ففي قوله: {ما لكم} استفهام عن كينونة مبهمة، وفي {كيف تحكمون} استفهام عن هيئة حكمهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كشف هذا الدليل الشبه ورفع الستار، فأوصل إلى أعظم من ضوء النهار، لفت القول إليهم بالخطاب لفت المغضب عند العتاب، فقال معجباً منهم منبهاً على ما هم فيه من اعوجاج الفطر وفساد الفكر، منكراً عليهم غاية الإنكار: {ما لكم} أي أيّ شيء يحصل لكم من هذه الأحكام الجائرة البعيدة عن الصواب. ولما نبههم على أنه ليس لهم في مثل هذه الأحكام شيء يمكن أن يكون نافعاً، وكان العاقل إذا علم أن شيئاً من الأشياء لا نفع فيه بعد منه، أنكر عليهم ثالثاً حال أحكامهم هذه، لأن نفي أحوالها أشد لنفيها كما تقدم في {كيف تكفرون} في [البقرة: 28] فقال: {كيف تحكمون} أي أيّ عقل دعاكم إلى هذا الحكم الذي يتضمن التسوية من السيد بين المحسن من عبيده والمسيء.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ومن ثم يجيء السؤال الاستنكاري الآخر: مالكم؟ كيف تحكمون؟.. ماذا بكم؟ وعلام تبنون أحكامكم؟ وكيف تزنون القيم والأقدار حتى يستوي في ميزانكم وحكمكم من يسلمون ومن يجرمون؟!
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} من دون قاعدةٍ في منطق الحق الذي لا بد من أن يكون هو الأساس في الحكم، فإذا كانت المسألة في التقييم هي التمايز الذي يظهر بين الناس، فكيف يمكن أن نساوي بين الإنسان المؤمن الذي أسلم كل حياته لله في كل أقواله وأفعاله وعلاقاته وخططه، وجعل حياته كلها في خدمة الله الذي خلقه وخلق الناس كلهم في قدرته وحكمته، وأنعم عليه وعليهم بتدبيره في ما مهّد لهم من وسائل العيش وفي ما أنعم عليهم من نعمه التي لا تحصى، وبين الإنسان الكافر الذي أجرم في حق نفسه، وفي حق ربّه، وفي تصرّفاته مع الناس من حوله.. فإذا لم يكونا متساويين في الصفات التي تميز الناس عن بعضهم البعض، فكيف نجعلهما متساويين في الحكم وفي المصير؟!...