اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (36)

ثم وبَّخهُمْ فقال : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاءِ مفوضٌ إليكم حتى تحكموا فيه{[57651]} .

قوله : «عِندَ ربِّهِمْ » . يجوز أن يكون منصوباً بالاستقرار ، وأن يكون حالاً من «جنَّاتِ » .

فصل في رد كلام القاضي

قال القاضي : في الآية دليل واضح على أن وصف الإنسان بأنه مسلم ومجرم كالمتنافي ، والفاسق لما كان مجرماً ، وجب أن لا يكون مسلماً .

وأجيب بأنه تعالى أنكر جعل المسلم مثلاً للمجرم ، ولا شك أنه ليس المراد إنكار المماثلة في جميع الأمور ، فإنهما متماثلان في الجوهرية ، والجسمية ، والحدوث ، والحيوانية ، وغيرها من الأمور الكثيرة ، بل المراد : إنكارُ استوائهما في الإسلام والجرم ، أو في آثارِ هذين الأمرينِ ، فالمراد : أن يكون إنكار أثر الإسلام مساوياً لأثر جرم المجرم عند الله ، وهذا لا نزاع فيه ، فمن أين يدل على أن الشخص الواحد يمتنع فيه كونه مسلماً ومجرماً ؟ .

فصل في رد كلام الجبائي

قال الجبائيُّ : دلت الآية على أن المجرم لا يكون ألبتةَ في الجنةِ ؛ لأنه تعالى أنكر حصول التسوية بينهما في الثواب ، بل لعله يكون ثواب المجرم أزيد من ثواب المسلم ، إذا كان المجرمُ أطول عمراً من المسلم ، وكانت طاعته غير محبطةٍ . والجوابُ : هذا ضعيفٌ{[57652]} ، لأنا بينا التسوية في درجة الثوابِ ، ولعلهما لا يستويان فيه بل يكون ثواب المسلمِ الذي لم يعص أكثر من ثواب من عصى ، على أنا نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد من المجرمين هم الكفار الذين حكى الله عنهم هذه الواقعة ، لأن حمل الجمع المحلى بالألف واللام على المعهود السابق مشهور في اللغة والعرفِ .


[57651]:ذكره القرطبي 18/160 عن ابن عباس.
[57652]:ينظر: الفخر الرازي 30/81.