تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (36)

الآية 36 وقوله تعالى : { ما لكم كيف تحكمون } في أن أجعل عدوي بمنزلة وليّي ووليي بمنزلة عدوي ؟

أو أي شيء حملكم على حكمكم [ هذا ، ولم يأتكم ]{[21814]} بهذا الحكم كتاب ، ولا معقول يوجب ذلك ؟ فكيف تطمعون ذلك ؟ أو كيف تحكمون بالجور على ربكم ؟ لأن من الجور أن يجمع بين الولي والعدو في دار الكرامة .

ثم قوله تعالى : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } يستقيم إن يجعل هذا جوابا للفريقين : لمن{[21815]} ينكر البعث ولمن{[21816]} يزعم أنه شريك أهل الإسلام في الآخرة في ما يكرمون من النعيم .

فمن أنكر البعث فالاحتجاج عليه بهذه الآية ، وهو{[21817]} أن [ فعل التسويه ]{[21818]} يوجب التفرقة بين الولي وبين العدو [ وبين الشكور وبين الكفور ]{[21819]} فأنتم إذا أنكرتم البعث فقد زعمتم على الله أنه يجعل المسلمين كالمجرمين والكفور كالشكور والعدو كالولي . ومن فعل هذا فهو سفيه ، لا يصلح أن يكون حكيما .

ففي إنكار البعث تحقيق السفه وإثبات الجور ، ومن{[21820]} الجور أن يجمع بين الولي وبين العدو في الجزاء ، ومن ادعى الوجه الآخر ، وهو التسوية بين الفريقين لما تساويا في منافع الدنيا ومضارها وفي لذاتها وشدائدها وبلياتها [ فهو سفيه جائز ]{[21821]} فعلى ذلك يكون أمرهم في الآخرة .

فجوابهم في ذلك أن الدنيا ، هي دار يظهر فيها العدو من الولي والشكور من الكفور ، والآخرة دار جزاء العداوة والولاية .

فجائز أن يقع في ما فيه ظهور الولاية والعداوة اتفاق ، ولا يجوز وقوع الاتفاق في ما فيه الجزاء لعداوة سبقت ولولاية سبقت ، والحكمة توجب التفرقة بين الجزاءين ، فلا يجوز أن يجعل المسلم فيه كالمجرم لما فيه من تضييع الحكمة ، وليس قبل المحنة معنى يوجب التفرقة بينهما [ في دار المحنة ، فجائز أن يقع بينهما ]{[21822]} الاتفاق في ذلك .

ولأنه لو كان تفرق بينهما في الدنيا لكانت المحنة تخرج عن حدها ، والدنيا هي دار المحنة ، وإنما قلنا : إن فيه إخراج المحنة عن حدها لأن المحنة تكون على الرجاء والخوف والرغبة والرهبة .

فلو فرق بين العدو والولي في الدنيا ، فوسع على الأولياء ، وضيق على الأعداء ، لوقع اختيار وجه الولاية على الضرورة ، لأن من علم أنه يضيق عليه إذا اختار وجه العداوة ، وتجعل عليه العذاب ، ترك ذلك الوجه ، ومال إلى الولاية ، فيرتفع وجه المحنة .

فلذلك جاز أن يجمع بين الولي والعدو في دار المحنة ليبقى وجه الحكمة ، بحاله ، ولم يجر أن يجمع بينهما في الآخرة لأنها دار جزاء . والعقل يوجب تفرقة جزائهما ، والله الموفق .

وقوله تعالى : { ما لكم كيف تحكمون } في أحكم الحكماء بالسفه حين{[21823]} تزعمون ، أنه يجمع بين الولي والعدو في الجزاء ، وذلك من أعلام السفه ؟ أو كيف تحكمون في أحكم الحاكمين وأعدل العادلين بالجور ، إذ تزعمون أنه يجمع بين الفريقين في دار الكرامة ، ومن الجور أن يجمع{[21824]} بينهما ؟ وهم كانوا يقرون أن الله تعالى أحكم الحاكمين .


[21814]:من م، ساقطة من الأصل
[21815]:في الأصل و م: لم
[21816]:في الأصل و م: ولم
[21817]:الواو ساقطة من الأصل و م
[21818]:في الأصل و م: الفعل.
[21819]:في الأصل و م: و الشكور
[21820]:في الأصل و م: لأن من
[21821]:ساقطة من الأصل و م
[21822]:في م: في المحنة فجائز أن يقع بينهما، ساقطة من الأصل.
[21823]:في الأصل و م: حيث.
[21824]:في الأصل و م: يقع