يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } أي : إنهم من الضالين الغاوين أهل النار ، لا بد أن يصيروا إلى ما قدره الله وقضاه ، فلا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ، فلا تزيدهم الآيات إلا طغيانا ، وغيا إلى غيهم .
وما ظلمهم الله ، ولكن ظلموا أنفسهم بردهم للحق ، لما جاءهم أول مرة ، فعاقبهم الله ، بأن طبع على قلوبهم وأسماعهم ، وأبصارهم ، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، الذي وعدوا به .
فحينئذ يعلمون حق اليقين ، أن ما هم عليه هو الضلال ، وأن ما جاءتهم به الرسل هو الحق . ولكن في وقت لا يجدي عليهم إيمانهم شيئًا ، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ، ولا هم يستعتبون ، وأما الآيات فإنها تنفع من له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حَتّىَ يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين وجبت عليهم يا محمد كلمة ربك ، وهي لعنته إياهم بقوله : ألا لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ فثبتت عليهم ، يقال منه : حقّ على فلان كذا يحقّ عليه : إذا ثبت ذلك عليه ووجب .
وقوله : لا يُوءْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمُ كُلّ آيَةٍ لا يصدقون بحجج الله ، ولا يقرّون بوحدانية ربهم ولا بأنك لله رسول ، ولو جاءتهم كل آية وموعظة وعبرة فعاينوها حتى يعاينوا العذاب الأليم ، كما لم يؤمن فرعون وملؤه ، إذا حقّت عليهم كلمة ربك حتى عاينوا العذاب الأليم ، فحينئذ قال : آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ حين لم ينفعه قيله ، فكذلك هؤلاء الذين حقت عليهم كلمة ربك من قومك ، من عبدة الأوثان وغيرهم ، لا يؤمنون بك فيتبعونك إلا في الحين الذي لا ينفعهم إيمانهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : أنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لا يُوءْمِنُونَ قال : حقّ عليهم سخط الله بما عصوه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لا يُوءْمِنُونَ حقّ عليهم سخط الله بما عصوه .
جاء في هذا تحذير مردود وإعلام بسوء حال هؤلاء المحتوم عليهم ، والمعنى أن الله أوجب لهم سخه في الأزل وخلقهم لعذابه فلا يؤمنون ، ولو جاءهم كل بيان وكل وضوح إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه إيمان ، كما صنع فرعون وأشباهه من الخلق وذلك وقت المعاينة ، وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال وبعث الكل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط الله ، وقرأ أبو عمرو وعاصم والحسن وأبو رجاء «كلمة » بالإفراد ، وقرأ نافع وأهل المدينة «كلمات » بالجمع ، وقد تقدم ذكر هذه الترجمة .
تبين تناسب هذه الآية مع التي قبلها بما فسرنا به الآية السابقة فإنه لما سبق التعريض إلى المشركين الشّاكّين في صدق النبي صلى الله عليه وسلم والاستشهاد عليهم في صدقه بشهادة أهل الكتاب أعقب ذلك بأنهم من زمرة الفرق الذين حقت عليهم كلمة الله أن لا يؤمنوا ، فهم لا تجدي فيهم الحجة لأنهم أهل مكابرة ، وليسوا طالبين للحق لأن الفطرة التي فطرت عليها عقولهم غيرُ قابلة لحقائق الإيمان ، فالذين لم يؤمنوا بما يجيء من الآيات هم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون ، تلك أماراتهم . وهذا مَسوق مساق التأييس من إيمانهم .
ومعنى ( حقت ) ثبتت . و ( على ) للاستعلاء المجازي ، وهو تمكن الفعل الذي تعلقت به . والمراد بكلمات الله : أمر التكوين ، وجمعت الكلمات بالنظر إلى أن متعلقها ناس كثيرون ، فكل واحد منهم تحق عليه كلمة .
وقرأ غير نافع ، وابن عامر { كلمةُ ربك } على مراعاة الجنس إذ تحق على كل أمة كلمة ، وهذا الكلام عظة للمشركين . قال غيرهم : وتحذير من أن يكونوا مظهراً لمن حقت عليهم كلمة الشقوة وإنذار بوشك حلول العذاب بهم .
فالموصول على هذا التفسير مراد به معهود ، والجملة كلها مستأنفة ، و ( إنّ ) للتوكيد المقصود به التحقيق ، أي لا شك أن هؤلاء من أولئك فقد اتضح أمرهم واليأس من إيمانهم .
ويحتمل أن تجعل الجملة في موضع التعليل للقصص السابقة فتكون بمنزلة التذييل ، والموصول للعموم الجامع جميع الأمم التي هي بمثابة الأمم المتحدث عنهم وتكون ( إن ) لمجرد الاهتمام بالخبر ، فتفيد التعليل والربط ، وتغني عن فاء التفريع كالتي في قول بشار :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.