ومع أن فرعون قد توعد هؤلاء المؤمنين بالعذاب والتشويه والتنكيل والموت القاسى البطىء الموهوب ، فإننا نراهم يقابلون كل ذلك بالصبر الجميل ، والإيمان العميق ، والاستهانة ببطش فرعون وجبروته فيقولون له بكل ثبات واطمئنان : { إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } قال صاحب الكشاف : فيه أوجه : أن يريدوا إنا لا نبالى بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك .
أو ننقلب إلى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب . أو إنا جميعاً يعنون أنفسهم وفرعون ننقلب إلى الله فيحكم بيننا . أو إنا لا محالة ميتون منقلبون إلى الله فما تقدر أن تفعل بنا إلا ما لا بد لنا منه " .
وقول السحرة : { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } أي : قد تحققنا أنا إليه راجعون ، وعذابه أشد من عذابك ، ونكاله{[12019]} ما تدعونا إليه ، وما أكرهتنا عليه من السحر ، أعظم{[12020]} من نكالك ، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله ، لما قالوا : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي : عمنا بالصبر على دينك ، والثبات عليه ، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي : متابعين لنبيك موسى ، عليه السلام . وقالوا لفرعون : { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } [ طه : 72 - 75 ] فكانوا في أول النهار سحرة ، فصاروا في آخره{[12019]} شهداء بررة .
قال ابن عباس ، وعُبَيد بن عُمَيْر ، وقتادة ، وابن جُرَيْج : كانوا في أول النهار سحرة ، وفي آخره شهداء .
فصلت جملة { قالوا إنا إلى ربنا منقلبون } لوقوعها في سياق المحاورة .
والانقلابُ : الرجوع وقد تقدم قريباً . وهذا جواب عن وعيد فرعون بأنه وعيد لا يضيرهم ، لأنهم يعلمون أنهم صائرون إلى الله رب الجميع ، وقد جاء هذا الجواب موجزاً إيجازاً بديعاً لأنه يتضمن أنهم يرجون ثواب الله على ما ينالهم من عذاب فرعون ، ويرجون منه مغفرة ذنوبهم ، ويرجون العقابَ لفرعون على ذلك ، وإذا كان المراد بالصلب القتل وكان المراد تهديد جميع المؤمنين ، كان قولهم : { إنا إلى ربنا منقلبون } تشوقاً إلى حلول ذلك بهم محبة للقاء الله تعالى ، فإن الله تعالى لما هداهم إلى الإيمان أكسبهم محبة لقائه ، ثم بينوا أن عقاب فرعون لا غضاضة عليهم منه ، لأنه لم يكن عن جناية تَصمهم بل كان على الإيمان بآيات لما ظهرت لهم . أي : فإنك لا تعرف لنا سبباً يوجب العقوبة غير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.