وقوله : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } تأكيد لتوبيخهم وتأنيبهم بعد أن نزل بهم العذاب ، وهو معطوف على لفظ " قيل " المقدر قبل لفظ { الآن } .
أى : وقيل لهم : الآن آمنتم بأن العذاب حقيقة بعد أن كنتم به تستعجلون ؟ ثم قيل لهؤلاء الظالمين الذين أصروا على الكفر واقتراف المنكرات : ذوقوا عذاب الخلد أي العذاب الباقي الدائم ، إذ الخلد والخلود مصدر خلد الشيء إذا بقي على حالة واحدة لا يتغير .
والاستفهام في قوله : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } للنفي والإِنكار . أي لا تجزون إلابالجزاء المناسب لما كنتم تكسبونه في الدنيا من كفر بالحق ، وإيذاء للدعاة إليه ، وتكذيب بوحي الله - تعالى - .
{ ثُمَّ قِيلَ{[14264]} لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ } أي : يوم القيامة يقال لهم هذا ، تبكيتا وتقريعًا ، كقوله : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 13 - 16 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ قِيلَ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ثُمّ قِيلَ للّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بكفرهم بالله : ذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ تجرّعوا عَذَابَ اللّهِ الدّائمِ لكم أبدا ، الذي لا فناء له ولا زوال . هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ يقول : يقال لهم : فانظروا هَلْ تُجْزَوْنَ أي هل تثابون إلاّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ؟ يقول : إلا بما كنتم تعملون في حياتكم قبل مماتكم من معاصي الله .
معطوفة على جملة : { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً } [ يونس : 50 ] الآية . و ( ثم ) للتراخي الرتبي ، فهذا عذاب أعظم من العذاب الذي في قوله : { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً } [ يونس : 50 ] فإن ذلك عذاب الدنيا وأما عذاب الخلد فهو عذاب الآخرة وهذا أعظم من عذاب الدنيا ، فذلك موقع عطف جملته بحرف ( ثم ) .
وصيغة المضي في قوله : { قيل للذين ظلموا } مستعملة في معنى المستقبل تنبيهاً على تحقيق وقوعه مثل { أتَى أمرُ الله } [ النحل : 1 . ]
والذين ظلموا هم القائلون { متى هذا الوعد } [ يونس : 48 ] . وأظهر في مقام الإضمار لتسجيل وصف الظلم عليهم وهو ظلم النفس بالإشراك . ومعنى ظلموا : أشركوا .
والذوق : مستعمل في الإحساس ، وهو مجاز مشهور بعلاقة الإطلاق .
والاستفهام في { هل تجزون } إنكاري بمعنى النفي ، ولذلك جاء بعده الاستثناء { إلا بما كنتم تكسبون } .
وجملة : { هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون } استئناف بياني لأن جملة { ذوقوا عذاب الخلد } تثير سؤالاً في نفوسهم عن مقدار ذلك العذاب فيكون الجواب على أنه على قدر فظاعة ما كسبوه من الأعمال مع إفادة تعليل تسليط العذاب عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.