وقد ردوا عليه بما يدل على شذوذهم وعلى انتكاس فطرتهم ، فقد قالوا له على سبيل التهديد والوعيد : { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين } .
أى : قالوا له متوعدين : لئن لم تسكت يا لوط عن نهيك إيانا عما نحن فيه ، لتكونن من المخرجين من قريتنا إخراجا تاما ، ولنطردنك خارج ديارنا .
وهكذا النفوس عندما تنحدر فى الرذيلة وتنغمس فى المنكر ، تعادى من يدعوها إلى الفضيلة وإلى الطهر والعفاف .
ما كان جواب قومه له إلا قالوا : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ } يعنونَ : عما جئتنا{[21839]} به ، { لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ } أي : ننفيك من بين أظهرنا ، كما قال تعالى : { وَمَا{[21840]} كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ{[21841]} مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [ الأعراف : 82 ] ،
{ قَالُواْ لَئِن لّمْ تَنتَهِ يَلُوطُ لَتَكُونَنّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنّي لِعَمَلِكُمْ مّنَ الْقَالِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال قوم لوط : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عن نهينا عن إتيان الذّكران لَتَكُونَنّ مِنَ المُخْرَجِينَ من بين أظهرنا وبلدنا قالَ إنّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ القالِينَ يقول لهم لوط : إني لعملكم الذي تعملونه من إتيان الذكران في أدبارهم من القالين ، يعني من المبغضين ، المنكرين فعله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا لئن لم تنته} يعني: لئن لم تسكت عنا {يا لوط لتكونن من المخرجين} من القرية.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم لوط:"لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ" عن نهينا عن إتيان الذّكران "لَتَكُونَنّ مِنَ المُخْرَجِينَ "من بين أظهرنا وبلدنا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{لتكونن من المخرجين} يحتمل نفس الإخراج، أي نخرجك من القرية ومن بيننا. وجائز أن يكونوا أرادوا بالإخراج إخراجا بالقتل كقوله قوم نوح حين {قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} [الشعراء: 116] وهو أشبه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عن نهينا وتقبيح أمرنا {لَتَكُونَنَّ} من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال: من تعنيف به، واحتباس لأملاكه. وكما يكون حال الظلمة إذا أجلوا بعض من يغضبون عليه، وكما كان يفعل أهل مكة بمن يريد المهاجرة.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
ودل قوله: {من المخرجين} على أنه سبق من نهاهم عن ذلك، فنفوه بسبب النهي، أو من المخرجين بسبب غير هذا السبب، كأنه من خالفهم في شيء نفوه، سواء كان الخلاف في هذا الفعل الخاص، أم في غيره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فلما اتضح الحق، وعرف المراد، وكان غريباً عندهم، وتشوف السامع إلى جوابهم، استؤنف الإخبار عنه، فقيل إعلاماً بانقطاعهم وأنهم عارفون أنه لا وجه لهم في ذلك أصلاً لعدولهم إلى الفحش: {قالوا} مقسمين: {لئن لم تنته} وسموه باسمه جفاء وغلظة فقالوا: {يا لوط} عن مثل إنكارك هذا علينا. ولما كان لما له من العظمة بالنبوة والأفعال الشريفة التي توجب إجلاله وإنكار كل من يسمعهم أن يخرج مثله، زادوا في التأكيد فقالوا: {لتكونن من المخرجين} أي ممن أخرجناه من بلدنا على وجه فظيع تصير مشهوراً به بينهم. إشارة إلى أنه غريب عندهم، وأن عادتهم المستمرة نفي من اعترض عليهم، وكان قصدهم بذلك أن يكونوا هم المتولين لإخراجه إهانة له للاستراحة منه، فكان إخراجه، لكن إخراج إكرام للاستراحة منهم والنجاة من عذابهم بتولي الملائكة الكرام..
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قالوا: لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين). وقد كان فيهم غريبا. وفد عليهم مع عمه إبراهيم حين اعتزل أباه وقومه، وترك وطنه وأرضه، وعبر الأردن مع إبراهيم والقلة التي آمنت معه. ثم عاش وحده مع هؤلاء القوم حتى أرسله الله إليهم، ليردهم عما هم فيه، فإذا بهم يهددونه بالإخراج من بينهم، إذا لم ينته عن دعوتهم إلى سواء الفطرة القويم!
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
قالوا مصممين موثقين قولهم باليمين، {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} اللام هي اليمينية، أي أقسموا بما يقسمون به إذا لم تنته، وكان النداء لتأكيد أن الخطاب له، ولم تكن لمودة بجمعهم، إنما هو لنفرة شديدة لتفرقهم، لأنه يحول بينهم وما يشتهون من خروج على الفطرة والطبع الإنساني، والمقسم به لتكونن من المخرجين أو المرجومين، واللام واقعة في جواب القسم، وقد أكدوا الإخراج أو الرجم بها، وبأن يصير في عداد المرجومين أي أنه يرجم ويقبر..