فوصف مستحق العذاب ، ووصف العذاب ، لأن الوصف المذكور ، منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة فقال : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ } [ أي : ]{[730]} الذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم الكفر باللّه وبرسله ، وبما جاءوا به من عند اللّه ، فأبعدهم في الدنيا والآخرة من رحمته ، وكفى بذلك عقابًا ، { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } أي : نارًا موقدة ، تسعر في أجسامهم ، ويبلغ العذاب إلى أفئدتهم ،
إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ، خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ، يوم تقلب وجوهم في النار ، يقولون : يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . وقالوا : ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ، فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا . .
إنهم يسألون عن الساعة . فهذا مشهد من مشاهد الساعة :
( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ) . .
إن الله طرد الكافرين من رحمته ، وهيأ لهم نارا مسعرة متوقدة ، فهي معدة جاهزة حاضرة .
هذا حظ الكافرين من وعيد الساعة ، وهذه لعنة الآخرة قُفِّيت بها لعنة الدنيا في قوله : { ملعونين } [ الأحزاب : 61 ] ، ولذلك عطف عليها { وأعد لهم سعيراً } فكانت لعنة الدنيا مقترنة بالأخذ والتقتيل ولعنة الآخرة مقترنة بالسعير .
والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن جملة { ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً إلى قوله : ولن تجد لسنة الله تبديلاً } [ الأحزاب : 60 62 ] تثير في نفوس السامعين التساؤل عن الاقتصار على لعنهم وتقتِيلهم في الدنيا ، وهل ذلك منتهى ما عوقبوا به أو لهم من ورائه عذاب ؟ فكان قوله : { إن الله لعن الكافرين } الخ جواباً عن ذلك .
وحرف التوكيد للاهتمام بالخبر أو منظور به إلى السامعين من الكافرين .
والتعريف في { الكافرين } يحتمل أن يكون للعهد ، أي الكافرين الذين كانوا شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وآذوه وأرجفوا في المدينة وهم المنافقون ومن ناصرهم من المشركين في وقعة الأحزاب ومن اليهود . ويحتمل أن يكون التعريف للاستغراق ، أي كل كافر .
وعلى الوجهين فصيغة الماضي في فعل { لعن } مستعملة في تحقيق الوقوع ، شُبه المحقق حصوله بالفعل الذي حصل فاستعير له صيغة الماضي مثل { أتى أمر اللَّه } [ النحل : 1 ] لأن اللعن إنما يقع في الآخرة وهو مستقبل . وأما حالهم في الدنيا فمثل أحوال المخلوقات يتمتعون برحمة الله في الدنيا من حياة ورزق وملاذ كما هو صريح الآيات والأخبار النبوية ، قال تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } [ آل عمران : 196 ، 197 ] . وقد يكون في ظاهر الآية متمسّك للشيخ أبي الحسن الأشعري لقوله بانتفاء نعمة الله عن الكافرين خلافاً للماتريدي والقاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزلة ولكنه متمسك ضعيف لأن التحقيق أن الخلاف بينه وبينهم خلاف لفظي يرجع إلى أن حقيقة النعمة ترجع إلى ما لا يعقب ألماً .
والسعير : النار الشديدة الإِيقاد . وهو فعيل بمعنى مفعول ، أي مسعورة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الله أبعد الكافرين به من كل خير، وأقصاهم عنه، "وأعَدّ لَهُمْ سَعِيرا "يقول: وأعدّ لَهم في الآخرة نارا تتقد وتتسعر ليصليهموها "خالِدِينَ فِيها أبَدا" يقول: ماكثين في السعير أبدا، إلى غير نهاية،
"لا يَجِدُونَ وَلِيّا" يتولاهم، فيستنقذهم من السعير التي أصلاهموها الله "وَلا نَصِيرا" ينصرهم، فينجيهم من عقاب الله إياهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
لعنهم: أي طردهم من رحمته لما علم أنهم يختارون الكفر على الإيمان، ويختمون عليه {وأعد لهم سعيرا}.
يعني كما أنهم ملعونون في الدنيا عندكم فكذلك ملعونون عند الله.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم استأنف الإخبار بحال السائلين عنها بقوله مؤكداً في مقابلة إنكار الكفار أن يكون في حالهم شيء من نقص: {إن الله} أي الملك الأعظم الذي لا أعظم منه {لعن} أي أبعد إبعاداً عظيماً عن رحمته {الكافرين} أي الساترين لما من شأنه أن يظهر مما دلت عليه العقول السليمة من أمرها سواء كانوا مشاققين أو منافقين {وأعد لهم} أي أوجد وهيأ من الآن لتكذيبهم بها وبغيرها مما أوضح لهم أدلته {سعيراً} أي ناراً شديدة الاضطرام والتوقد.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} على الإطلاقِ أي طردَهُم وأبعدَهُم من رحمتِه العاجلةِ والآجلةِ
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا حظ الكافرين من وعيد الساعة، وهذه لعنة الآخرة قُفِّيت بها لعنة الدنيا في قوله: {ملعونين} [الأحزاب: 61]، ولذلك عطف عليها {وأعد لهم سعيراً} فكانت لعنة الدنيا مقترنة بالأخذ والتقتيل ولعنة الآخرة مقترنة بالسعير، فصيغة الماضي في فعل {لعن} مستعملة في تحقيق الوقوع، شُبه المحقق حصوله بالفعل الذي حصل فاستعير له صيغة الماضي مثل {أتى أمر اللَّه} [النحل: 1] لأن اللعن إنما يقع في الآخرة وهو مستقبل، وأما حالهم في الدنيا فمثل أحوال المخلوقات يتمتعون برحمة الله في الدنيا من حياة ورزق وملاذ، كما هو صريح الآيات والأخبار النبوية، قال تعالى: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} [آل عمران: 196، 197]