التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا} (64)

{ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ( 63 ) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ( 64 ) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ( 65 ) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُول ( 66 ) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ ( 67 ) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا( 68 ) } [ 63-68 ] .

تعليق على الآية

{ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا }

والآيات الثلاث التالية لها

عبارة الآيات واضحة . وقد احتوت حكاية سؤال للنبي عن الساعة وما أمره الله من جواب على السؤال . ثم أعقب ذلك إيذان بلعنة الله للكافرين وما أعده لهم من سعير ؛ حيث يخلدون فيها دون أو يجدوا وليا ولا نصيرا ، وحيث تقلب وجوههم في النار وتأخذهم الحسرة والندامة ويتمنون لو كانوا أطاعوا الله ورسوله ويدعون على سادتهم وكبرائهم الذين أطاعوهم فأضلوهم باللعنة ومضاعفة العذاب .

وتبدو الآيات فصلا جديدا . ولم نطلع على رواية خاصة لنزولها . وإنما ورد في الخزان : قيل إن المشركين كانوا يسألون رسول الله عن وقت قيام ساعة استعجالا على سبيل الهزؤ ، وكان اليهود يسألون النبي عن ذلك امتحانا ؛ لأن الله أعمى عليهم علمها في التوراة ، فأمر الله نبيه بأن يجيبهم بما في الآيات .

وقيام الساعة أو القيامة كان من أهم ما دار حوله الجدل بين النبي والكفار في العهد المكي على ما حكته آيات كثيرة حكت في الوقت نفسه سؤالهم النبي أكثر من مرة عن موعدها على سبيل التحدي والاستهتار . وتفيد الآيات أن ذلك ظل من المواضيع التي كان يعمد إليها الكفار للتمحل والتعجيز في العهد المدني أيضا . والجواب الذي احتوته من باب الأجوبة التي احتوتها الآيات المكية ؛ حيث يؤمر فيها النبي بأن يعلن أن علمها عند الله ، وليس هو إلا نذيرا وبشيرا ولا يعلم من أمر الغيب إلا ما شاء الله{[1717]} .

وتعبير الناس يشمل كل فئات المجتمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . غير أن تعقيب حكاية السؤال وجوابه بجملة على الكفار يمكن أن يكون قرينة على أنه أورد من بعض الكفار أو الشاكين في الآخرة من المنافقين ومرضى القلوب . ولقد تبع هذه الآيات آيات فيها تحذير للمسلمين من أن يكونوا كالذين آذوا موسى بما قد يمكن أن يكون قرينة على أن لليهود يدا أو دخلا في هذا السؤال الجديد بقصد التشكيك بالنبي ورسالته . وإذا صح هذا فإن احتمال كون السؤال من بعض المسلمين الذين لم يرسخ الإيمان في قلوبهم واردا أيضا بالتحريض وإيعاز من اليهود فاحتوت الآيات حملة على الكفار ومصيرهم الرهيب على سبيل التنبيه والإنذار . والله تعالى أعلم .

والآيتان الأخيرتان تؤكدان ما حكته آيات مكية عديدة عن أدوار الزعماء والأغنياء والكبراء في مناوأة الرسالة النبوية وتعطيلها . وتفيدان أن من أغنياء اليهود والعرب وزعمائهم وكبرائهم في المدينة من كان يقوم بمثل هذه الأدوار في العهد المدني أيضا .

ومع خصوصية الآيتين الزمنية وانطوائهما على ما يتبادر على قصد إثارة الحسرة والندم في السامعين للقرآن مباشرة على طاعة المفسدين الكفار من كبريائهم وسادتهم وإنذارهم بما سيلقونه من نكال ويستشعرونه من ندم وحسرة في الآخرة ، فإن فيهما تلقينا مستمر المدى في تجنب مواقف النساء والتعطيل التي يقفها الكبراء والزعماء من كل حركة ودعوة فيها خير وبر وصلاح . وصرخة داوية ضدهم .

وهتافا لعامة الناس ليحذروهم ، ولا يبالون لما يعود عليهم من ذلك من شر و نكال في دنياهم وآخرتهم مع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الذي انطوى فيهما .


[1717]:اقرأ مثلا آيات الأعراف [187 و 188] وآيات يونس [48 و 54] وآيا ت الأنبياء [35 ـ 40] وآيات النمل [67 ـ 75].