{ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } أى : ثم بعد أن خلق الله خلق الله هذا الخلق البديع ، وهداه النجدين ، وأمر بستر جسده فى القبر بعد موته . . بعد كل ذلك إذا شاء أحياه بعد الموت ، للحساب والجزاء . يقال : أنشر الله - تعالى - الموتى ونشرهم ، إذا بعثهم من قبورهم .
وقال - سبحانه - { إِذَا شَآءَ } للإِشعار بأن هذا البعث إنما هو بإرادته ومشيئته ، وفى الوقت الذى يختاره ويريده ، مهما تعجله المتعجلون .
و { أنشره } معناه : أحياه ، يقال : نشر الميت وأنشره الله ، وقوله : { إذا شاء } يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة ، وقرأ بعض القراء : { شاء أنشره } بتحقيق الهمزتين{[11628]} ، وقرأ جمهور الناس : { شاء أنشره } بمدة وتسهيل الهمزة الأولى ، وقرأ شعيب بن أبي حمزة{[11629]} : «شاء نشره » ، وقرأ الأعمش : «شاء انشره » بهمزة واحدة
وجملة : { ثم إذا شاء أنشره } رجوع إلى إثبات البعث وهي كالنتيجة عقب الاستدلال . ووقع قوله : { إذا شاء } معترضاً بين جملة { أماته } وجملة : { أنشره } لرد توهم المشركين أن عدم التعجيل بالبعث دليل على انتفاء وقوعه في المستقبل و ( إذا ) ظرف للمستقبل ففعل المضي بعدها مؤول بالمستقبل .
والمعنى : ثم حين يشاء ينشره ، أي ينشره حين تتعلق مشيئته بإنشاره .
و { أنشره } بعثه من الأرض وأصل النشر إخراج الشيء المخبأ يقال : نشر الثوب ، إذ أزال طيّه ، ونشر الصحيفة ، إذا فَتحها ليقرأها . ومنه الحديث : « فنشروا التوراة » .
وأما الإِنشار بالهمز فهو خاص بإخراج الميت من الأرض حيّاً وهو البعث ، فيجوز أن يقال : نُشِر الميت ، والعَرب لم يكونوا يعتقدون إحياء الأموات إلا أن يكونوا قد قالوه في تخيلاتهم التوهمية . فيكون منه قول الأعشى :
حتى يقول الناس ممّا رأوا *** يا عَجَباً للْمَيِّتِ النَّاشِر
ولذلك قال الله تعالى : { ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } [ هود : 7 ] .
وفي قوله : { إذا شاء } ردّ لشبهتهم إذ كانوا يطلبون تعجيل البعث تحدياً وتهكماً ليجعلوا عدم الاستجابة بتعجيله دليلاً على أنه لا يكون ، فأعلمهم الله أنه يقع عندما يشاء الله وقوعه لا في الوقت الذي يسألونه لأنه موكول إلى حكمة الله ، واستفادة إبطال قولهم من طريق الكناية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
في الآخرة، يعنى إذا شاء بعثه من بعد موته.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ثم إذا شاء الله أنشره بعد مماته وأحياه، يقال: أنْشَرَ الله الميت، بمعنى: أحياه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
معناه، والله أعلم، كذلك إذا شاء أنشره لأن هذا كله إخبار في موضع الاحتجاج؛ فكأنه قال: إن الذي خلقه من نطفة، وقدره، ثم أماته، فأقبره، فهو كذلك ينشره إذا شاء، وكذلك هذا في قوله: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} [البقرة: 28] أي إن الذي أحياكم ثم أماتكم، فكذلك هو الذي يحييكم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالإنشار: الإحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي، أنشر الله الموتى فنشروا كقولهم أحياهم فحيوا، والمشيئة هي الإرادة، والمعنى إذا شاء الله تعالى أن يحيي الميت أحياه -وهو قول الحسن- للجزاء بالثواب والعقاب...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَنشَرَهُ} أنشأه النشأة الأخرى...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {أنشره} معناه: أحياه...وقوله: {إذا شاء} يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة...
وإنما قال: إذا شاء إشعارا بأن وقته غير معلوم لنا، فتقديمه وتأخيره موكول إلى مشيئة الله تعالى، وأما سائر الأحوال المذكورة قبل ذلك فإنه يعلم أوقاتها من بعض الوجوه، إذا الموت وإن لم يعلم الإنسان وقته ففي الجملة يعلم أنه لا يتجاوز فيه إلا حدا معلوما...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
حتى إذا حان الموعد الذي اقتضته مشيئته، أعاده إلى الحياة لما يراد به من الأمر... فليس متروكا سدى؛ ولا ذاهبا بلا حساب ولا جزاء.. فهل تراه تهيأ لهذا الأمر واستعد؟...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {ثم إذا شاء أنشره} رجوع إلى إثبات البعث وهي كالنتيجة عقب الاستدلال. ووقع قوله: {إذا شاء} معترضاً بين جملة {أماته} وجملة: {أنشره} لرد توهم المشركين أن عدم التعجيل بالبعث دليل على انتفاء وقوعه في المستقبل و (إذا) ظرف للمستقبل ففعل المضي بعدها مؤول بالمستقبل. والمعنى: ثم حين يشاء ينشره، أي ينشره حين تتعلق مشيئته بإنشاره. و {أنشره} بعثه من الأرض وأصل النشر إخراج الشيء المخبأ يقال: نشر الثوب، إذ أزال طيّه، ونشر الصحيفة، إذا فَتحها ليقرأها. ومنه الحديث: « فنشروا التوراة». وأما الإِنشار بالهمز فهو خاص بإخراج الميت من الأرض حيّاً وهو البعث، فيجوز أن يقال: نُشِر الميت... وفي قوله: {إذا شاء} ردّ لشبهتهم إذ كانوا يطلبون تعجيل البعث تحدياً وتهكماً ليجعلوا عدم الاستجابة بتعجيله دليلاً على أنه لا يكون، فأعلمهم الله أنه يقع عندما يشاء الله وقوعه لا في الوقت الذي يسألونه لأنه موكول إلى حكمة الله، واستفادة إبطال قولهم من طريق الكناية...
وكأن عملية القبر هذه أو الإقبار ليست آخرة صلته بالوجود، وإنما ستكون له عودة إلى وجود آخر.
لكن يلاحظ أنه في الآيات الأولى لم يقدم المشيئة، ولكنه في هذه الآية قدمها؛ وذلك لأن الساعة علمها عند الله عز وجل وحده، فالمشيئة ليست متعلقة بالنشر، وإنما بتحديد ساعة النشر، وهذا يدل على مدى الدقة.. {ثمّ إذا شاء أنشره} لأنه لو قال: «أنشره» مباشرة، دون أن يقدم المشيئة فمن الممكن حينئذٍ أن يأمل أحد في معرفة وقتها، ولكنه قدم المشيئة حتى يظل سر الساعة محفوظاً، لا يأمل أحد في معرفته.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«أنشره»: من (النشر)، بمعنى الانبساط بعد الجمع، فالكلمة تشير بأسلوب بلاغي رائع إلى جمع كلّ حياة الإنسان عند الموت لتنشر في محيط أكبر وأعلى (يوم القيامة)...