يبدأ المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع وفي الأجزاء ، وفي السمات والهيئات : منظر( المتقين )لهم ( حسن مآب ) . ومنظر( الطاغين )لهم ( شر مآب ) . فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب . ولهم فيها راحة الاتكاء ، ومتعة الطعام والشراب . ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب . وهن مع شبابهن ( قاصرات الطرف )لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن . وكلهن شواب أتراب .
استئناف ابتدائي فيجوز أن يكون كلاماً قيل للمتقين وقت نزول الآية فهو مؤكِّد لمضمون جملة { وإن للمتقين لحسن مئابٍ } [ ص : 49 ] والإِشارة إذن إلى ما سبق ذكره من قوله : { لحسن مئاب } فاسم الإِشارة هنا مغاير لاستعماله المتقدم في قوله : { هذا ذِكرٌ } [ ص : 49 ] . وجيء باسم الإِشارة القريب تنزيلاً للمشار إليه منزلة المشار إليه الحاضر إيماء إلى أنه محقق وقوعه تبشيراً للمتقين . والتعبير بالمضارع في قوله : { تُوعَدُونَ } على ظاهره .
ويجوز أن يكون كلاماً يقال للمتقين في الجنة فتكون الجملة مقولَ قول محذوف هو في محل حال ثانية من « المتقين » . والتقدير : مقولاً لهم : هذا ما توعدون ليوم الحساب . والقول : إما من الملائكة مثل قوله تعالى : { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } [ النحل : 32 ] ، وإما من جانب الله تعالى نظير قوله لضدهم : { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } [ آل عمران : 181 ] .
والإِشارة إذن إلى ما هو مشاهد عندهم من النعيم .
وقرأ الجمهور : { تُوعَدُونَ } بتاء الخطاب فهو على الاحتمال الأول التفات من الغيبة إلى الخطاب لتشريف المتقين بعزّ الحضور لخطاب الله تعالى ، وعلى الاحتمال الثاني الخطاب لهم على ظاهره . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحده « يوعدون » بياء الغيبة فهو على الاحتمال الأول التفات عن توجيه الخطاب إليهم إلى توجيهه للطاغين لزيادة التنكيل عليهم . والإِشارةُ إلى المذكور من « حسن المئاب » ، وعلى الاحتمال الثاني كذلك وُجّه الكلام إلى أهل المحشر لتنديم الطاغين وإدخال الحسرة والغمّ عليهم . والإِشارة إلى النعيم المشاهد .
واللام في { لِيَوْمِ الحِسَابِ } لام العلة ، أي وعدتموه لأجل يوم الحساب . والمعنى لأجل الجزاء يوم الحساب ، فلما كان الحساب مؤذناً بالجزاء جعل اليوم هو العلة . وهذه اللام تفيد معنى التوقيت تبعاً كقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [ الإسراء : 78 ] تنزيلاً للوقت منزلة العلة . ولذلك قال الفقهاء : أوقات الصلوات أسباب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هذا} الذي ذكر من الخير في الجنة.
{ما توعدون ليوم الحساب} ليوم الجزاء.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"هَذَا ما تُوعَدُون لِيوْمِ الحِسابِ": يقول تعالى ذكره: هذا الذي يعدكم الله في الدنيا أيها المؤمنون به من الكرامة لمن أدخله الله الجنة منكم في الآخرة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
تقول لهم الملائكة: هذا ما توعدون أهل الجنة في القرآن...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لِيَوْمِ الحساب} لأجل يوم الحساب: هذا ما تدخرونه ليوم الحساب: ليوم تجزى كل نفس ما عملت...
الله تعالى وعد المتقين بالثواب الموصوف بهذه الصفة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ما} بني للمفعول اختصاراً وتحقيقاً للتحتم قوله: {توعدون} من الوعد والإيعاد، وقراءة الغيب على الأسلوب الماضي، ومن خاطب لفت الكلام للتلذيذ بالخطاب تنشيطاً لهممهم وإيقاظاً لقلوبهم {ليوم الحساب} ليكون في ذلك اليوم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ابتدائي فيجوز أن يكون كلاماً قيل للمتقين وقت نزول الآية، فهو مؤكِّد لمضمون جملة {وإن للمتقين لحسن مئابٍ}، والإِشارة إذن إلى ما سبق ذكره من قوله: {لحسن مئاب} فاسم الإِشارة هنا مغاير لاستعماله المتقدم في قوله: {هذا ذِكرٌ}، وجيء باسم الإِشارة القريب تنزيلاً للمشار إليه منزلة المشار إليه الحاضر، إيماء إلى أنه محقق وقوعه تبشيراً للمتقين.
والتعبير بالمضارع في قوله: {تُوعَدُونَ} على ظاهره، ويجوز أن يكون كلاماً يقال للمتقين في الجنة فتكون الجملة مقولَ قول محذوف هو في محل حال ثانية من « المتقين»، والتقدير: مقولاً لهم: هذا ما توعدون ليوم الحساب.
القول:...إما من جانب الله تعالى نظير قوله لضدهم: {ونقول ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران: 181]، والإِشارة إذن إلى ما هو مشاهد عندهم من النعيم...
وقرأ الجمهور: {تُوعَدُونَ} بتاء الخطاب فهو على الاحتمال الأول التفات من الغيبة إلى الخطاب لتشريف المتقين بعزّ الحضور لخطاب الله تعالى، وعلى الاحتمال الثاني الخطاب لهم على ظاهره...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :