وهنا - بين - سبحانه - حكمه العادل فى الجميع ، فى الرؤساء والأتباع فيقول { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ }
أى : كما كانوا متشاركين فى الدنيا فى الغواية والضلالة ، فإنهم فى الآخرة مشتركون جميعا فى حلول العذاب بهم ، وذوقهم لآلامه وسعيره .
فالضمير فى قوله { فَإِنَّهُمْ } يعود للتابعين والمتبوعين ، لأنهم جميعا مستحقون للعذاب .
وقوله : فأغْوَيْناكُمْ إنّا كُنّا غاوِينَ يقول : فأضللناكم عن سبيل الله والإيمان به إنا كنا ضالين وهذا أيضا خبر من الله عن قيل الجنّ والإنس ، قال الله : فإنّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العَذَابِ مُشْتَركُونَ يقول : فإن الإنس الذين كفروا بالله وأزواجهم ، وما كانوا يعبدون من دون الله ، والّذين أَغْوَوا الإنس من الجنّ يوم القيامة في العذاب مشتركون جميعا في النار ، كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فإنّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العَذَابِ مُشْتَرِكُونَ قال : هم والشياطين .
هذا الكلام من الله تعالى موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ويشبه أن يكون اعتراضاً بين حكاية حِوار الله أهل الشرك في القيامة وبين توبيخ الله إياهم بقوله : { إنَّكم لذائِقُوا العذَاببِ الأليمِ } [ الصافات : 38 ] .
والفاء للفصيحة لأنها وردت بعد تقرير أحوال وكان ما بعد الفاء نتيجة لتلك الأحوال فكانت الفاء مفصحة عن شرط مقدّر ، أي إذا كان حالهم كما سمعتم فإنهم يوم القيامة في العذاب مشتركون لاشتراكهم في الشرك وتمالئهم ، أي لا عذر للكلام للفريقين لا للزعماء بتسويلهم ولا للدهماء بنصرهم . وقد يكون عذاب الدعاة المغوين أشدّ من عذاب الآخرين وذلك لا ينافي الاشتراك في جنس العذاب كما دلت عليه أدلة أخرى ، لأن المقصود هنا بيان عدم إجداء معذرة كلا الفريقين وتنصّله . وهذه الجملة معترضة بين جمل حكاية موقفهم في الحساب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فإنهم يومئذ} للكفار والشياطين {في العذاب مشتركون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فإنّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العَذَابِ مُشْتَركُونَ" يقول: فإن الإنس الذين كفروا بالله وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون الله، والّذين أَغْوَوا الإنس من الجنّ يوم القيامة في العذاب مشتركون جميعا في النار، كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الأتباع والمتبوعون، يشتركون في العذاب، ليس أن يشتركوا في نوع من العذاب، ولكن يُجمعون جميعا، ثم لهم العذاب على قدر عصيانهم وجرمهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَإِنَّهُمْ} فإن الأتباع والمتبوعين جميعاً {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة مشتركون في العذاب كما كانوا مشتركين في الغواية.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فإنهم} أي الفريقين بسبب ما ذكروا عن أنفسهم.
{يومئذ} أي يوم إذ كان هذا التقاول بينهم.
{في العذاب} الأكبر {مشتركون} أي في أصله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا الكلام من الله تعالى موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويشبه أن يكون اعتراضاً بين حكاية حِوار الله أهل الشرك في القيامة وبين توبيخ الله إياهم بقوله: {إنَّكم لذائِقُو العذَابِ الأليمِ} [الصافات: 38].
والفاء للفصيحة لأنها وردت بعد تقرير أحوال وكان ما بعد الفاء نتيجة لتلك الأحوال فكانت الفاء مفصحة عن شرط مقدّر، أي إذا كان حالهم كما سمعتم فإنهم يوم القيامة في العذاب مشتركون لاشتراكهم في الشرك وتمالئهم، أي لا عذر للكلام للفريقين لا للزعماء بتسويلهم ولا للدهماء بنصرهم. وقد يكون عذاب الدعاة المغوين أشدّ من عذاب الآخرين وذلك لا ينافي الاشتراك في جنس العذاب كما دلت عليه أدلة أخرى، لأن المقصود هنا بيان عدم إجداء معذرة كلا الفريقين وتنصّله. وهذه الجملة معترضة بين جمل حكاية موقفهم في الحساب.
ثم يُنهي الحق سبحانه هذه المواجهة بين أهل الباطل، ويقرر هذه الحقيقة {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة {فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} وهذه سُنَّتنا في أهل الضلال.