نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِنَّهُمۡ يَوۡمَئِذٖ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (33)

ولما قال لهم الرؤساء ما هو الحق من أمرهم مما أوجب الحكم باشتراكهم ، سبب عنه قوله تعالى مؤكداً دفعاً لمن يتوهم اختصاص العذاب بالسبب : { فإنهم } أي الفريقين بسبب ما ذكروا عن أنفسهم { يومئذ } أي يوم إذ كان هذا التقاول بينهم { في العذاب } أي الأكبر { مشتركون * } أي في أصله ، وهم مع ذلك متفاوتون في وصفه على مقادير كفرهم كما كانوا متشاركين في السبب متفاوتين في شدتهم فيه ولينهم - هذا وقد قال البخاري في صحيحه في تفسير حم السجدة : وقال المنهال عن سعيد : قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } { ولا يكتمون الله حديثاً } { والله ربنا ما كنا مشركين } فقد كتموا في هذه الآية ، وقال : { السماء بناها } إلى قوله : { دحاها } فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } إلى { طائعين } فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء ، وقال : { وكان الله غفوراً رحيماً } { عزيزاً حكيماً } { سميعاً بصيراً } فكأنه كان ثم مضى ، فقال : { فلا أنساب بينهم } في النفخة الأولى ثم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ، إلا من شاء الله فلا أنساب عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، وأما قوله { ما كنا مشركين } { ولا يكتمون الله حديثاً } فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين ، فنختم على أفواههم فتنطق أيديهم ، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثاً ، وعنده يود الذين كفروا - الآية ، وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض ، و { دحاها } أي أخرج منها الماء والمرعى ، وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله { دحاها } وقوله : خلق الأرض في يومين ، فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت السماوات في يومين ، وكان الله غفوراً رحيماً ، سمى نفسه ذلك ، وذلك قوله ، أي لم يزل كذلك ، فإن الله لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلف عليك القرآن فإن كلاًّ من عند الله .

وقال في سورة المرسلات : وسئل ابن عباس رضي الله عنهما { هذا يوم لا ينطقون } { والله ربنا ما كنا مشركين } { اليوم نختم على أفواههم } فقال : إنه ذو ألوان ، مرة ينطقون ومرة يختم عليهم .