وقوله - تعالى - : { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } تبكيت وتوبيخ لهؤلاء الكافرين ، الذين جحدوا الحق بعد أن تبين لهم أنه حق .
أى : وإنا لا يخفى علينا أن منكم - أيها الكافرون - من هو مكذب للحق عن جحود وعناد ، ولكن هذا لن يمنعنا من إرسال رسولنا بهذا الدين لكى يبلغه إليكم ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وسنجازى كل إنسان بما تستحقه من ثواب أو عقاب .
وقوله : وَإنّا لَنَعْلَمُ أنّ مِنْكُمْ مُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره : وإنا لنعلم أن منكم مكذّبين أيها الناس بهذا القرآن وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ يقول جلّ ثناؤه : وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ ذاكم يوم القيامة .
هاتان جملتان مرتبطتان ، وأولاهما تمهيد وتوطئة للثانية ، وهي معترضة بين التي قبلها والتي بعدها ، والثانية منهما معطوفة على جملة { وإنه لتذكرة للمتقين } [ الحاقة : 48 ] ، فكان تقديم الجملة الأولى على الثانية اهتماماً بتنبيه المكذبين إلى حالهم وكانت أيضاً بمنزلة التتميم لِجملة { وإنه لتذكرة للمتقين } [ الحاقة : 48 ] .
والمعنى : إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون له وبه ، وعلمنا بذلك لم يصرفنا عن توجيه التذكير إليكم وإعادتِه عليكم { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّى عن بينة } [ الأنفال : 42 ] ، فقوبلت صفة القرآن التي تنفع المتقين بصفته التي تُضر بالكافرين على طريقة التضاد ، فبين الجملتين المتعاطفتين مُحسّن الطباق .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإنا لنعلم} يا أهل مكة {أن منكم مكذبين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإنا لنعلم أن منكم مكذّبين أيها الناس بهذا القرآن.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي بآياتي ورسلي ثم نمهلكم،، فهو صلة قوله: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل} فبين أنه مع كذبهم بآياته ورسله يمهلهم، ولا يعجل عليهم بالعقوبة، ولو وجد التقول من الرسول لكان يستأصله، ويقطع وتينه. فهو على ما ذكرنا أن عذابه على خواص عباده أسرع وقوعا، إذا خالفوا، منه بأعدائه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعناه التحذير من التكذيب بالحق وأنه ينبغي أن يتذكر أن الله تعالى يعلمه ويجازي عليه.
ثم قال: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} له بسبب حب الدنيا، فكأنه تعالى قال: أما من اتقى حب الدنيا فهو يتذكر بهذا القرآن وينتفع. وأما من مال إليها فإنه يكذب بهذا القرآن ولا يقربه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: مع هذا البيان والوضوح، سيوجد منكم من يكذب بالقرآن.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وإنا لنعلم أن منكم مكذبين).. ولكن هذا لا يؤثر في حقيقة هذا الأمر، ولا يغير من هذه الحقيقة. فأمركم أهون من أن يؤثر في حقائق الأمور.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمعنى: إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون له وبه، وعلمنا بذلك لم يصرفنا عن توجيه التذكير إليكم وإعادتِه عليكم {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّي عن بينة} [الأنفال: 42]، فقوبلت صفة القرآن التي تنفع المتقين بصفته التي تُضر بالكافرين على طريقة التضاد.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يضيف تعالى: (وإنّا لنعلم أنّ منكم مكذّبين). إنّ وجود المكذّبين المعاندين لم يكن مانعاً أبداً من الدليل على عدم حقّانيتهم. إنّ المتّقين وطلاّب الحقّ يتّعظون به، ويرون فيه سمات الحقّ، وإنّه عون لهم في الوصول إلى طريق الله سبحانه. وبناء على هذا فكما يجدر بالإنسان، بل يجب عليه أن يفتح عينه للاستفادة من إشعاع النور، فإنّ عليه كذلك أن يفتح عين قلبه للاستفادة من نور القرآن العظيم.