( والذين هم من عذاب ربهم مشفقون . إن عذاب ربهم غير مأمون ) . .
وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين . درجة الحساسية المرهفة ، والرقابة اليقظة ، والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة ، والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة ، والتطلع إلى الله للحماية والوقاية .
ولقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو من هو عند الله . وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه . . كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله . وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة . وقال لأصحابه : " لن يدخل الجنة أحدا عمله " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ? قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
والذين هم في الدنيا من عذاب ربهم وجلون أن يعذّبهم في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضا، ولا يتعدّون له حدّا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي خائفون وجلون، وهم الذين قال فيهم عز وجل في آية أخرى {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} [المؤمنون: 60]. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له: أهم الذين يسرقون، ويزنون، ويعملون بالمعاصي؟ فقال: " لا بل هم الذين يقومون، ويصلون، ويؤتون الزكاة، أو كما قال بلفظه صلى الله عليه وسلم " ووجلهم هم أنهم يخافون ألا تقبل منهم حسناتهم أو يخافون أن يكونوا قصروا عن الوفاء بشكر النعم، أو غفلوا عن شكر كثير منها " [زاد المسير 5/327]
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالإشفاق: رقة القلب عن تحمل ما يخاف من الأمر، فإذا قسا قلب الإنسان بطل الإشفاق.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وفي الخبر المعروف أن النبي صلى الله عليه و سلم قال حاكيا عن الله تعالى: "لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، فإذا خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، وإذا أمنني في الدنيا خوفته في الآخرة".
والإشفاق يكون من أمرين، إما الخوف من ترك الواجبات أو الخوف من الإقدام على المحظورات... ومن يدوم به الخوف والإشفاق فيما كلف يكون حذرا من التقصير حريصا على القيام بما كلف به من علم وعمل.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الدين معناه الجزاء من الثواب والعقاب، وكان ربما صرفه صارف إلى الثواب فقط للعلم بعموم رحمته سبحانه، وأن رحمته غلبت غضبه، صرح بالعقاب فقال: {والذين هم} أي بجميع ضمائرهم {من عذاب ربهم} أي المحسن إليهم، لا من عذاب غيره، فإن المحسن أولى بأن يخشى ولو من قطع إحسانه، وإذا خيف مع تجليه في مقام الإحسان كان الخوف أولى عند اعتلائه في نعوت الجلال من الكبر والقهر والانتقام {مشفقون} أي خائفون في هذه الدار خوفاً عظيماً هو في غاية الثبات من أن يعذبهم في الآخرة أو الدنيا أو فيهما، فهم لذلك لا يغفلون ولا يفعلون إلا ما يرضيه سبحانه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. إن عذاب ربهم غير مأمون).. وهذه درجة أخرى وراء مجرد التصديق بيوم الدين. درجة الحساسية المرهفة، والرقابة اليقظة، والشعور بالتقصير في جناب الله على كثرة العبادة، والخوف من تلفت القلب واستحقاقه للعذاب في أية لحظة، والتطلع إلى الله للحماية والوقاية. ولقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهو من هو عند الله. وهو يعرف أن الله قد اصطفاه ورعاه.. كان دائم الحذر دائم الخوف لعذاب الله. وكان على يقين أن عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلا بفضل من الله ورحمة. وقال لأصحابه: "لن يدخل الجنة أحدا عمله " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصفهم بأنهم {من عذاب ربهم مشفقون} مقابل قوله في حق الكافرين {سال سائل بعذاب واقع للكافرين} [المعارج: 1، 2] لأن سؤالهم سؤال مستخف بذلك ومحيله.
والإِشفاق: توقع حصول المكروه وأخذُ الحذر منه.
وصوغ الصلة بالجملة الاسمية لتحقيق وثبات اتصافهم بهذا الإِشفاق لأنه من المغيبات، فمن شأن كثير من الناس التردد فيه.