أما الصفة السادسة والأخيرة من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين ، فهى قوله - تعالى - { والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } .
أى : أن من صفاتهم أنهم يحافظون على الصلوات التى أمرهم الله بأدائها محافظة تامة ، بأن يؤدوها فى أوقاتها كاملة الأركان والسسن والآداب والخشوع ، ولقد بدأ - سبحانه - صفات المؤمنين المفلحين بالخشوع فى الصلاة وختمها بالمحافظة عليها للدلالة على عظم مكانتها ، وسمو منزلتها .
وبعد أن بين - سبحانه - تلك الصفات الكريمة التى تحلى بها أولئك المؤمنون المفلحون ، وهى صفات تمثل الكمال الإنسانى فى أنقى صوره .
( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) . . فلا يفوتونها كسلا ، ولا يضيعونها إهمالا ؛ ولا يقصرون في إقامتها كما ينبغي أن تقام ؛ إنما يؤدونها في أوقاتها كاملة الفرائض والسنن ، مستوفية الأركان والآداب ، حية يستغرق فيها القلب ، وينفعل بها الوجدان . والصلاة صلة ما بين القلب والرب ، فالذي لا يحافظ عليها لا ينتظر أن يحافظ على صلة ما بينه وبين الناس محافظة حقيقية مبعثها صدق الضمير . . ولقد بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وختمت بالصلاة للدلالة على عظيم مكانتها في بناء الإيمان ، بوصفها أكمل صورة من صور العبادة والتوجه إلى الله .
تلك الخصائص تحدد شخصية المؤمنين المكتوب لهم الفلاح . وهي خصائص ذات أثر حاسم في تحديد خصائص الجماعة المؤمنة ونوع الحياة التي تحياها . الحياة الفاضلة اللائقة بالإنسان الذي كرمه الله ؛ وأراد له التدرج في مدارج الكمال . ولم يرد له أن يحيا حياة الحيوان ، يستمتع فيها ويأكل كما تأكل الأنعام .
وقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } أي : يواظبون عليها في مواقيتها ، كما قال ابن مسعود : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أيّ العمل أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " بِرُّ الوالدين " . قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " .
أخرجاه في الصحيحين{[20473]} . وفي مستدرك الحاكم قال : " الصلاة في أول وقتها " {[20474]} .
وقال ابن مسعود ، ومسروق في قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يعني : مواقيت الصلاة . وكذا قال أبو الضُّحَى ، وعلقمة بن قيس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة .
وقال قتادة : على مواقيتها وركوعها وسجودها .
وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة ، واختتمها بالصلاة ، فدل على أفضليتها ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " {[20475]} .
وقوله : وَالّذِينَ هُمْ عَلى صَلَوَاتِهمْ يُحافِظُونَ يقول : والذين هم على أوقات صلاتهم يحافظون ، فلا يضيعونها ولا يشتغلون عنها حتى تفوتهم ، ولكنهم يراعونها حتى يؤدّوها فيها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق : وَالّذِينَ هُمْ عَلى صَلَوَاتِهِمْ يُحافِظُونَ قال : على وقتها .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق : وَالّذينَ هُمْ عَلى صَلَوَاتِهِمْ يُحافظُونَ على ميقاتها .
حدثنا ابن عبد الرحمن البرقيّ ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : أخبرنا ابن زَحْر ، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح ، قال : الّذِينَ هُمْ عَلى صَلَوَاتِهمْ يُحافِظُونَ قال : إقام الصلاة لوقتها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : على صلواتهم دائمون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : عَلى صَلَوَاتِهِمْ يُحافِظُونَ قال : دائمون . قال : يعني بها المكتوبة .