{ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } والاستفهام للتقرير . و { لَوْلاَ } حرف تحضيض بمعنى هلا . والتسبيح هنا بمعنى : الاستغفار والتوبة ، وإعطاء كل ذى حق حقه .
أى : قال لهم - أعقلهم وأصلحهم - بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة . قال لهم : لقد قلت لكم عندما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها .
. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك ، وسيروا على الطريقة التى كان يسير عليها أبوكم ، وأعطوا المساكين حقوقهم منها ، ولكنكم خالفتمونى ولم تطيعوا أمرى ، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحى ، ما ترون من خراب الجنة التى أصابنى من خرابها ما أصابكم .
وكعادة كثير من الناس الذين : لا يقدرون النعمة إلا بعد فوات الأوان . . قالوا لأعقلهم وأصلحهم : { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } أى : تنزه ربنا ونستغفره عما حدث منا ، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله - تعالى - عن عباده .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبّنَآ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ * قَالُواْ يَوَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال أصحاب الجنة : سُبْحانَ رَبّنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ في تركنا الاستثناء في قسمنا وعزمنا على ترك إطعام المساكين من ثمر جنتنا .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قال أصحاب الجنة:"سُبْحانَ رَبّنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ"... في قسمنا وعزمنا على ترك إطعام المساكين من ثمر جنتنا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فهذا منهم توحيد وتبرئة. وفي قوله: {كنا ظالمين} اعتراف بما ارتكبوا من الذنوب وإنابة إلى الله...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ} ننزهه على أن يكون ظالماً، وأقرّوا على أنفسهم بالظلم فقالوا: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة، ولكن بعد خراب البصرة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ودل سياق الكلام على أنهم كانوا متهيئين للتوبة بقوله: {قالوا} من غير تلعثم بما عاد عليهم من بركة أبيهم فقال سبحانه حاكياً عن قولهم:
{سبحان ربنا} أي تنزه المحسن إلينا التنزيه الأعظم عن أن يكون وقع منه فيما فعل بنا ظلم، وأكدوا قباحة فعلهم هضماً لأنفسهم وخضوعاً لربهم و تحقيقاً لتوبتهم لأن ما كانوا عليه من الحال يقتضي أن لا يصدق رجوعهم عنه بقولهم: {إنا كنا} أي بما في جبلاتنا من الفساد {ظالمين} أي راسخين في إيقاعنا الأشياء في غير مواقعها حيث لم نعزم عزماً جازماً على ما كان يفعل أبونا من البر...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وكان جوابهم يتضمن إقراراً بأنه وعظهم فعصوه ودلوا على ذلك بالتسبيح حين ندمِهم على عدم الأخذ بنصيحته فقالوا: {سبحان ربّنا إنا كنا ظالمين} أرادوا إجابة تقريره بإقرار بتسبيح الله عن أن يُعصى أمره في إعطاء حق المساكين، فإن من أصول التوبة تدارك ما يمكن تداركه، واعترافهم بظلم المساكين من أصول التوبة لأنه خبر مستعمل في التندم، والتسبيح مقدمة الاستغفار من الذنب قال تعالى: {فسبح بحمد ربّك واستغفره إنه كان تواباً} [النصر: 3].
وجملة {إنا كنا ظالمين} إقرار بالذنب، والتأكيد لتحقيق الإِقرار والاهتمام به. ويفيد حرفُ (إنّ) مع ذلك تعليلاً للتسبيح الذي قبله. وحذف مفعول {ظالمين} ليعم ظلمهم أنفسهم بما جرَّوه على أنفسهم من سلب النعمة، وظلم المساكين بمنَعهم من حقهم في المال. وجرت حكاية جوابهم على طريقة المحاورة فلم تعطف وهي الطريقة التي نبّهنا عليها عند قوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} في سورة البقرة (30).
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وتستيقظ ضمائرهم في تلك اللحظة ويعترفون بخطئهم وذنوبهم و (قالوا سبحان ربّنا إنّا كنّا ظالمين). إنّ التعبير ب (أوسطهم) في الآية السابقة يمكن أن يكون بلحاظ حدّ الاعتدال في العقل والفكر والعلم وقيل: إنّه الوسط في السنّ والعمر. إلاّ أنّه مستبعد جدّاً، وذلك لعدم وجود ارتباط بين العمر وهذه المقالة الوافية المعبّرة. والارتباط يكون عادة بمثل هذا الكلام بين العقل والفكر. والتعبير ب (لولا تسبّحون) مأخوذ بلحاظ أنّ أصل وجذر كلّ الأعمال الصالحة هو الإيمان ومعرفة الله وتسبيحه وتنزيهه. وقد فسّر البعض «التسبيح» هنا بمعنى (شكر النعمة) والتي من ملازماتها إعانة المحرومين، وهذان التّفسيران لا يتنافيان مع بعضهما البعض، وهما مجموعان في مفهوم الآية الكريمة. لقد سبق تسبيحهم (الاعتراف بالذنب)، ولعلّ هذا كان لرغبتهم في تنزيه الله تعالى عن كلّ ظلم بعيداً عمّا نزّل بجنّتهم من دمار وبلاء عظيم، وكأنّ لسان حالهم يقول: ربّنا إنّنا كنّا نحن الظالمين لأنفسنا وللآخرين، ولذا حقّ علينا مثل هذا العذاب، وما أصابنا منك هو العدل والحكمة.