والفاء فى قوله : { فَذَلِكَ } واقعة فى جواب { إذا } واسم الإِشارة يعود إلى مدلول النقر وما يترتب عليه من حساب وجزاء . وقوله { يومئذ } بدل من اسم الإِشارة والتنوين فيه عوض عن جملة وقوله : { عَسِيرٌ } و { غَيْرُ يَسِير } صفتان لليوم .
أى : أنذر - أيها الرسول الكريم - الناس ، وبلغهم رسالة ربك ، واصبر على أذى المشركين ، فإنه إذا نفخ إسرافيل بأمرنا النفخة الثانية ، صار ذلك النفخ وما يترتب عليه من أهوال ، وقتا وزمانا عسير أمره على الكافرين ، وغير يسير وقعه عليهم .
ووصف اليوم بالعسير ، باعتبار ما يقع فيه من أحداث يشيب من هولها الولدان .
وقوله : { غَيْرُ يَسِير } تأكيد لمعنى { عَسِيرٌ } مغن عنه ؟ قلت : لما قال { عَلَى الكافرين } فقصر العسر عليهم قال : { غَيْرُ يَسِير } ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ، ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم ، وبين بشارة المؤمنين وتسليتهم . ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا . كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا .
ومن ثم يصف اليوم بأنه عسير على الكافرين ، ويؤكد هذا العسر بنفي كل ظل لليسر فيه : ( على الكافرين غير يسير ) . . فهو عسر كله . عسر لا يتخلله يسر . ولا يفصل أمر هذا العسر ، بل يدعه مجملا مجهلا يوحي بالاختناق والكرب والضيق . . فما أجدر الكافرين أن يستمعوا للنذير ، قبل أن ينقر في الناقور ، فيواجههم هذا اليوم العسير العسير !
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مّمْدُوداً } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ ، فذلك يومئذ يوم شديد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن فضيل وأسباط ، عن مطرّف ، عن عطية العوفيّ ، عن ابن عباس ، في قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ وَحَنى جَبْهَتَهُ يَسْتَمعُ مَتى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ فِيهِ » ، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف نقول ؟ فقال : «تقولون : حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلى اللّهِ تَوَكّلْنا » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : إذا نُفخ في الصور .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ مثله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : إذا نُفخ في الصور .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : في الصور ، قال : هي شيء كهيئة البوق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : هو يوم يُنفخ في الصور الذي ينفخ فيه قال ابن عباس : إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه ، فقال : «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ ، وَحَنى جَبْهَتَهُ ، ثُمّ أقْبَلَ بأُذُنِهِ يَسْتَمِعُ مَتى يُؤْمَرُ بالصّيْحَة » فاشتدّ ذلك على أصحابه ، فأمرهم أن يقولوا : «حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، على اللّهِ تَوَكّلْنا » .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ يقول : الصور .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال الحسن : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : إذا نُفخ في الصّور .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ والناقور : الصور ، والصور : الخلق .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ يعني : الصّور .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : الناقور : الصور .
حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ قال : الصور .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَذَلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ يقول : شديد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله تعالى ذكره : فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ فبين الله على من يقع على الكافرين غير يسير .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَذَلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ يقول : شديد .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله تعالى ذكره : فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ فبين الله على من يقع على الكافرين غير يسير .
و { على الكافرين } متعلق ب { عسير } .
ووصف اليوم ونحوه من أسماء الزمان بصفات أحداثِه مشهور في كلامهم ، قال السَمَوْأل ، أوْ الحارثي :
وأيَّامُنا مشهورةٌ في عدوّنا *** لها غُرر معلومة وحُجول
وإنما الغُرر والحجول مستعارة لصفات لقائهم العدوّ في أيامهم ، وفي المقامة الثلاثين « لا عَقَدَ هذا العقدَ المبجَّل ، في هذا اليوم الأغَر المُحْجَل ، إلاّ الذي جال وجَاب ، وشب في الكُدْيَة وشَاب » وقال تعالى : { فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات } في سورة فصلت ( 16 ) .
و { غير يسير } تأكيد لمعنى { عسير } بمرادفه . وهذا من غرائب الاستعمال كما يقال : عاجلاً غير آجل ، قال طالب بن أبي طالب :
فلْيكُن المغلوبَ غيرَ الغَالِبْ *** وليكن المسلوبَ غَيْر السَّالِبْ
وعليه من غير التأكيد قوله تعالى : { قد ضلّوا وما كانوا مهتدين } [ الأنعام : 140 ] { قد ضلَلْتُ إذن وما أنا من المهتدين } [ الأنعام : 56 ] . وأشار الزمخشري إلى أن فائدة هذا التأكيد ما يشعر به لفظ { غير } من المغايرة فيكون تعريضاً بأن له حالة أخرى ، وهي اليسر ، أي على المؤمنين ، ليجمع بين وعيد الكافرين وإغاظتهم ، وبشارة المؤمنين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر على من عسره، فقال: {على الكافرين غير يسير} غير هيِّن، ويهون ذلك على المؤمن كأدنى صلاته.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني جلّ ثناؤه بقوله: فَإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ، فذلك يومئذ يوم شديد.
عن ابن عباس، في قوله" فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ وَحَنى جَبْهَتَهُ يَسْتَمعُ مَتى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ فِيهِ»، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نقول؟ فقال: «تقولون: حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلى اللّهِ تَوَكّلْنا.
عن مجاهد، قوله "فإذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ" قال: في الصور، قال: هي شيء كهيئة البوق.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فذلك يومئذ يوم عسير} {على الكافرين غير يسير} ذلك اليوم يوم رحمة للمؤمنين، إذ في ذلك اليوم يكرمون، وينالون عظيم الدرجات من ربهم. ولكن عز وجل ذكر ذلك اليوم في غير آية من كتابه والأحوال التي تكون فيه؛ وإن كانت تلك الأحوال تنزل على غير المؤمنين، فمرة سماه واقعة، ومرة حاقة، وإنما يقع العذاب على الكفرة، ويحق عليهم؛ فلذلك سماه عسيرا وإن كان هو عسيرا على فريق فهو يسير على غيرهم.
وجائز أن يكون عسيرا على الخلائق أجمع بعض هول ذلك اليوم؛ يشمل الفرق كلها كما قال: {وترى الناس سكارى} [الحج: 2]. ثم إن المؤمنين تفرج عنهم الأهوال بما يأتيهم من البشارات أو الكرامات عن الله تعالى، ويبقى عسرها على أصحاب النار.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: فما فائدة قوله: {غَيْرُ يَسِيرٍ} و {عَسِيرٌ} مغن عنه؟ قلت: لما قال: {عَلَى الكافرين} فقصر العسر عليهم قال: {غَيْرُ يَسِيرٍ} ليؤذن بأن لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيراً هيناً، ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم، وبشارة المؤمنين وتسليتهم.
ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً، كما يرجى تيسر العسير من أمور الدنيا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{على الكافرين} أي الذين كانوا يستهينون بالإنذار ويعرضون عنه لأنهم راسخون في الكفر الذي هو ستر ما يجب إظهاره من دلائل الوحدانية، ولما كان العسر قد يطلق على الشيء وفيه يسر من بعض الجهات أو يعالج فيرجع يسيراً، بين أنه ليس كذلك بقوله: {غير يسير} فجمع فيه بين إثبات الشيء ونفي ضده تحقيقاً لأمره ودفعاً للمجاز عنه وتأييداً لكونه ولأنه غير منقطع بوجه، وتقييده بالكافرين يشعر بتيسره على المؤمنين.