ثم تعود السورة الى سرد أباطيلهم فتقول : { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أى : ويقول هؤلاء المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه : متى يحصل هذا الوعد الذى توعدتمونا به ، وهو أن عذابا سيصيبنا إذا لم نؤمن بما أنتم مؤمنون به .
إن كنتم صادقين فى وعدكم لنا بهذا العذاب ، فأنزلوه بنا ، فنحن قد طال انتظارنا له . وهكذا الأشرار يتعجلون مصيرهم الأليم ، ويبحثون عن حتفهم بظلفهم ، وذلك لإيغالهم فى الغرور والعناد .
ثم يمضي في سرد مقولاتهم عن قضية البعث ، واستهانتهم بالوعيد بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة :
( ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) . .
كانوا يقولون هذا كلما خوفوا بمصائر المجرمين قبلهم ، ومصارعهم التي يمرون عليها مصبحين كقرى لوط ، وآثار ثمود في الحجر ، وآثار عاد في الأحقاف ، ومساكن سبأ بعد سيل العرم . . كانوا يقولون مستهزئين : ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )متى هذا العذاب الذي تخوفوننا به ? إن كنتم صادقين فهاتوه ، أو خبرونا بموعده على التحديد !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىَ هََذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَىَ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويقول مشركو قومك يا محمد ، المكذّبوك فيما أتيتهم به من عند ربك . مَتى يكون هَذَا الوَعْدُ الذي تعدُناه من العذاب ، الذي هو بنا فيما تقول حالّ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فيما تعدوننا به قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يقول جلّ جلاله : قل لهم يا محمد : عسى أن يكون اقترب لكم ودنا بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ من عذاب الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ }يقول : اقترب لكم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } يقول : اقترب لكم بعض الذي تستعجلون .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ } قال : ردف : أعجل لكم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : { قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } قال : أزِف .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : رَدِفَ لَكُمْ اقترب لكم .
واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله : رَدفَ لَكُمْ وكلام العرب المعروف : ردفه أمرٌ ، وأردفه ، كما يقال : تبعه وأتبعه ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخل اللام في ذلك فأضاف بها الفعل كما يقال : للرّؤْيا تَعْبُرُون ولِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ . وقال بعض نحويي الكوفة : أدخل اللام في ذلك للمعنى ، لأن معناه : دنا لهم ، كما قال الشاعر :
*** فَقُلْتُ لَها الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتى ***
فأدخل الياء في يطرحن ، وإنما يقال طرحته ، لأن معنى الطرح : الرمى ، فأدخل الباء للمعنى ، إذ كان معنى ذلك يرمين بالفتى ، وهذا القول الثاني هو أولاهما عندي بالصواب ، وقد مضى البيان عن نظائره في غير موضع من الكتاب بما أغنى عن تكراره في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : تَسْتَعْجِلُونَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج { رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } قال : من العذاب .
عطف على { وقال الذين كفروا إذا كنا تراباً } [ النمل : 67 ] . والتعبير هنا بالمضارع للدلالة على تجدد ذلك القول منهم ، أي لم يزالوا يقولون .
والمراد بالوعد ما أنذروا به من العقاب . والاستفهام عن زمانه ، وهو استفهام تهكم منهم بقرينة قوله { إن كنتم صادقين } .
وأمر الله نبيه بالجواب عن قولهم لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه على شيء منه من عباده المصطفين .
والجواب جار على الأسلوب الحكيم بحمل استفهامهم على حقيقة الاستفهام تنبيهاً على أن حقهم أن يسألوا عن وقت الوعيد ليتقدموه بالإيمان .