ثم بين - سبحانه - أحوالهم بعد هذه الزجرة فقال : { وَقَالُواْ ياويلنا } أى : وقالوا بعد أن خرجوا من قبورهم فى ذهول : { ياويلنا } أى : يا هلا كنا أحضر فهذا أوان حضورك .
وقوله { هذا يَوْمُ الدين } يصح أن يكون من كلام بعضهم مع بعض بعد أن رأوا أن ما كانوا ينكرونه ، قد أصبح حقيقة واقعة أمام أعينهم .
أى : قال بعضهم لبعضهم فى ذعر وفزع : يا ويلنا هذا يوم الجزاء على الأعمال . الذى كنا ننكره فى الدنيا ، قد أصبح حقيقة ماثلة أمام أعيننا .
ويصح أن يكون هو وما بعده ، وهو قوله - تعالى - : { هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } من كلام الملائكة على سبيل التأنيب لهم .
أى : تقول لهم الملائكة : اطلبوا ما شئتم من الويل والهلاك ، فهذا اليوم هو يوم الجزاء على الأعمال ، وهو يوم الفصل والقضاء الذى كنتم تكذبون به فى الدنيا ، وتستهزئون ممن يأمركم بحسن الاستعداد له ، وينذركم بسوء المصير إذا ما سرتم فى طريق الكفر به ، والإِنكار له .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ يَوَيْلَنَا هََذَا يَوْمُ الدّينِ * هََذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء المشركون المكذّبون إذا زجرت زجرة واحدة ، ونُفخ في الصور نفخة واحدة : يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدّينِ يقولون : هذا يوم الجزاء والمحاسبة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة هَذَا يَوْمَ الدّينِ قال : يدين الله فيه العباد بأعمالهم .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : هَذَا يَوْمُ الدّينِ قال : يوم الحساب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فلما نظروا وعاينوا البعث ذكروا قول الرسل إن البعث حق.
{وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين} يوم الحساب الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المكذّبون إذا زجرت زجرة واحدة، ونُفخ في الصور نفخة واحدة:"يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدّينِ"، يقولون: هذا يوم الجزاء والمحاسبة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل: {هذا يوم الدين} أي هذا يوم الذي ينفع كل من معه الدين دينه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان:"يا ويلنا هذا يوم الدين" كلمة يقولها القائل إذا وقع في الهلكة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
... فيه احتمال آخر وهو أنه تعالى قال في سورة الفاتحة {مالك يوم الدين} فبين أنه لا مالك في ذلك اليوم إلا الله فقولهم هذا يوم الدين، إشارة إلى أن هذا هو اليوم الذي لا حكم فيه لأحد إلا لله، وإنما ذكروه لما حصل في قلوبهم من الخوف الشديد.
مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :
{هذا يَوْمُ الدين} أي اليوم الذي ندان فيه، أي نجازى بأعمالنا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما حصل الغرض من تصوير حالهم بهذا الفعل المضارع، عطف عليه بصيغة المضي التي معناها الاستقبال؛ إعلاماً بتحقق الأمر تحقق ما مضى وكان، وتحققه مع القيام سواء من غير تخلف ولا تخلل زمان أصلاً، فقال: {وقالوا} أي كل من جمعه البعث من الكفرة معلمين بما انكشف لهم من أنه لا ملازم لهم غير الويل.
{يا ويلنا} اي يا من ليس لنا نديم غيره.
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي 911 هـ :
{وقالوا} أي الكفار {يا} للتنبيه {ويْلنا} هلاكنا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الويل: سوء الحال،وحرف النداء للاهتمام، والإِشارة إلى اليوم المشاهد.
فإذا ما عاينوا هذا المنظر، قالوا: {يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَـٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات: 20-21] هم الذين يقولون، وهم الذين يدْعُون على أنفسهم بالوَيْل والثبور، لا نقولها نحن ويلكم، بل يقولونها هم {يٰوَيْلَنَا} يعني: احضر، فهذا أوانك؛ لأنهم الآن تكشَّفَتْ لهم الحقائق وبَانَ كذبُهم وفسادُ تفكيرهم، وما كانوا فيه في الدنيا من اللَّدَد والعناد، وأول ما يتبين للإنسان فسادُ تفكيره وسوء عمله أوَّل ما يلوم يلوم نفسه، فيدعو عليها.
وقولهم: {هَـٰذَا يَوْمُ الدِّينِ} يعني: يوم الجزاء على الأعمال، هذا الجزاء الذي لم يؤمنوا به في الدنيا، ها هم يعترفون به، أو {هَـٰذَا يَوْمُ الدِّينِ} يعني: هذا هو اليوم الذي ينفع فيه الدين، كما تقول لولدك وهو مُقبل على الامتحان: هذا يوم المذاكرة. يعني: اليوم الذي لا تنفعك فيه إلا مذاكرتك
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هنا تتعالى صرخات المشركين المغرورين وتبيّن ضعفهم وعجزهم وعوزهم، ويقولون: الويل لنا فهذا يوم الدين نعم، فعندما تقع أعينهم على محكمة العدل الإلهي وشهودها وقضاتها، وعلى علامات العقاب فإنّهم من دون أن يشعروا يصرخون ويبكون، ويعترفون بحقيقة البعث، الاعتراف الذي يعجز عن إنقاذهم من العذاب، أو تخفيف العقاب الذي ينتظرهم.