( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) أي : يراهم ، ويفر منهم ، ويبتعد عنهم ؛ لأن الهول عظيم ، والخطب جليل .
قال عكرمة : يلقى الرجل زوجته فيقول لها : يا هذه ، أيّ بعل كنتُ لك ؟ فتقول : نعم البعل كنتَ ! وتثنى بخير ما استطاعت ، فيقول لها : فإني أطلبُ إليك اليومَ حسنًة واحدًة تهبينها{[29718]} لي لعلي أنجو مما ترين . فتقول له : ما أيسر ما طلبتَ ، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف . قال : وإن الرجل ليلقي ابنه فيتعلق به فيقول : يا بني ، أيّ والد كنتُ لك ؟ فيثني بخير . فيقولُ له : يا بني ، إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى . فيقول ولده : يا أبت ، ما أيسر ما طلبت ، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف ، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا . يقول الله تعالى ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )
وفي الحديث الصحيح - في أمر الشفاعة - : أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق ، يقول : نفسي نفسي ، لا أسأله اليومَ إلا نفسي ، حتى إن عيسى ابن مريم يقول : لا أسأله اليوم إلا نفسي ، لا أسأله مريم التي ولدتني . ولهذا قال تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) {[29719]} .
قال قتادة : الأحب فالأحبَ ، والأقرب فالأقربَ ، من هول ذلك اليوم .
ثم ذكر تعالى فرار المرء من القوم الذين معهودهم أن لا يفر عنهم في الشدائد ، ثم رتبهم تعالى الأول فالأول محبة وحنواً ، وقرأ أبو إياس جؤية{[11634]} «من أخيهُ وأمهُ وأبيهُ » بضم الهاء في كلها ، وقال منذر بن سعيد وغيره : هذا الفرار هو خوف من أن يتبع بعضهم بعضاً بتبعات إذ الملابسة تعلق المطالبة ، وقال جمهور الناس : إنما ذلك لشدة الهول على نحو ما روي أن الرسل تقول يومئذ نفس نفسي لا أسألك غيري{[11635]}
و { يوم يفر المرء من أخيه } بدل من { إذا جاءت الصاخة } بدلاً مطابقاً .
والفرار : الهروب للتخلص من مُخيف .
وحرف ( من ) هنا يجوز أن يكون بمعنى التعليل الذي يُعدّى به فعل الفرار إلى سبب الفرار حين يقال : فَرّ من الأسد ، وفرّ من العدو ، وفرّ من الموت ، ويجوز أن يكون بمعنى المجاوزة مثل ( عن ) .
وكون أقرب الناس للإِنسان يفرّ منهم يقتضي هولَ ذلك اليوم بحيث إذا رأى ما يحل من العذاب بأقرب الناس إليه توهم أن الفرار منه يُنْجِيه من الوقوع في مثله ، إذ قد علم أنه كان مماثلاً لهم فيما ارتكبوه من الأعمال فذكرت هنا أصناف من القرابة ، فإن القرابة آصرة تكون لها في النفس معزة وحرص على سلامة صاحبها وكرامته . والألفَ يحدث في النفس حرصاً على الملازمة والمقارنة . وكلا هذين الوجدانين يصد صاحبه عن المفارقة فما ظنك بهول يغْشَى على هذين الوجدانين فلا يَترك لهما مجالاً في النفس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.