المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ} (34)

ثم ذكر تعالى فرار المرء من القوم الذين معهودهم أن لا يفر عنهم في الشدائد ، ثم رتبهم تعالى الأول فالأول محبة وحنواً ، وقرأ أبو إياس جؤية{[11634]} «من أخيهُ وأمهُ وأبيهُ » بضم الهاء في كلها ، وقال منذر بن سعيد وغيره : هذا الفرار هو خوف من أن يتبع بعضهم بعضاً بتبعات إذ الملابسة تعلق المطالبة ، وقال جمهور الناس : إنما ذلك لشدة الهول على نحو ما روي أن الرسل تقول يومئذ نفس نفسي لا أسألك غيري{[11635]}


[11634]:هو جؤية بن عائذ، أبو إياس. وقد ذكر اسمه لكثرة من عرف بأبي إياس.
[11635]:جاء ذلك في حديث الشفاعة، وهو حديث متفق عليه، وسبق لنا تخريجه في أكثر من موضع من هذا التفسير، وفيه أن الناس يجتمعون في صعيد واحد يوم القيامة، وتدنو الشمس، ويبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم؟ فيذهبون إلى آدم ويطلبون منه أن يشفع للناس، فيقول: (إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري)، فيذهبون إلى الأنبياء جميعا واحدا بعد واحد، وكل نبي يقول نفسي نفسي. إلى أن يذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها.. الحديث.