وقوله - سبحانه - : { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى . أَوْ أَمَرَ بالتقوى } خطاب آخر للنبى صلى الله عليه وسلم أى : أرأيت - أيها الرسول الكريم - إن صار هذا الإِنسان - الطاغى والكافر - على الهدى ، فاتبع الحق ، ودعا إلى البر والتقوى . . أما كان ذلك خيرا له من الإِصرار على الكفر ، ومن نهيه إياك عن الصلاة ، فجواب الشرط محذوف للعلم به .
فالمراد بالهدى : اهتداؤه إلى الصراط المستقيم ، والمراد بالتقوى : صيانة نفسه تعالى - ، وأمره غيره عن كل ما يغضب الله - بذلك .
ثم قال تعالى : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى } نزلت في أبي جهل ، لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال : { أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى } أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، أو { أَمَرَ بِالتَّقْوَى } بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؛ ولهذا قال : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىَ الْهُدَىَ * أَوْ أَمَرَ بِالتّقْوَىَ } .
يقول تعالى ذكره : أرأَيْتَ إنْ كانَ محمد عَلى الهُدَى ، يعني : على استقامة وسَدَاد في صلاته لربه ، { أوْ أمَرَ بالتّقْوَى } أو أمر محمد هذا الذي يَنْهى عن الصلاة ، باتقاء الله ، وخوف عقابه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتّقْوَى } قال : محمد كان على الهدى ، وأمر بالتقوى .
وقوله تعالى : { أرأيت } توقيف ، وهو فعل لا يتعدى إلى مفعولين على حد الرؤية من العلم بل يقتصر به ، وقوله تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } إكمال للتوبيخ والوعيد بحسب التوقيفات الثلاث يصلح مع كل واحد منهما ، فجاء بها في نسق ، ثم جاء بالوعيد الكافي لجميعها اختصاراً واقتضاباً ، ومع كل تقرير من الثلاثة تكملة مقدرة تتسع العبارات فيها ، وقوله : { ألم يعلم } دال عليها مغن .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : أرأَيْتَ إنْ كانَ محمد عَلى الهُدَى ، يعني : على استقامة وسَدَاد في صلاته لربه ، { أوْ أمَرَ بالتّقْوَى } أو أمر محمد هذا الذي يَنْهى عن الصلاة ، باتقاء الله ، وخوف عقابه ... عن قتادة ، قوله : { أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتّقْوَى } قال : محمد كان على الهدى ، وأمر بالتقوى .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ أرأيت إن كان على الهدى } { أو أمر بالتقوى } { أرأيت إن كذب وتولى } { ألم يعلم بأن الله يرى }.
جائز أن يجمع هذا كله في الوعيد الذي ذكره على إثر ذلك ، وهو قوله تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } كأنه قال { أرأيت الذي ينهى } { عبدا إذا صلى } أرأيت الذي ينهى من { كان على الهدى } { أو أمر بالتقوى } وهو رسول الله ، كان ينهاه ذلك الكافر إذا صلى ، وينهاه عن الهدى وعن الأمر بالتقوى { أرأيت إن كذب } رسول الله صلى الله عليه وسلم { وتولى } عن طاعة الله تعالى { ألم يعلم بأن الله يرى } .
يدخل جميع ما ذكر في هذا الوعيد ، فيكون ذلك جوابا لما تقدم من قوله : { أرأيت الذي ينهى } { عبدا إذا صلى } إلى آخر ما ذكر .
وجائز أن يكون جواب قوله : { أرأيت الذي ينهى } { عبدا إذا صلى } مسكوتا عنه ، ترك للفهم .
ثم قوله تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } أي ألم يعلم بأن الله يراه ( فينتقم منه لرسول الله ، أو { ألم يعلم بأن الله يرى } فيدفعه عما هم برسول الله . فهو وعيد .
ثم قوله تعالى : { ألم يعلم بأن الله يرى } يحتمل وجهين :
أحدهما : قد علم بأن الله يرى جميع ما يقوله ، ويفعله ، ويهم به ، لكنه قال ذلك على المكابرة والعناد .
والثاني : { ألم يعلم بأن الله يرى } على نفي العلم له بذلك ، إذ لو علم بأن الله يرى ، ويعلم ما يفعله من النهي عن الصلاة والمكر به لكان لا يفعل ذلك به .
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي بأن يتقي معاصي الله، كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة ويزجره عنها ؟ !...
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي 911 هـ :
{ أو } للتقسيم { أمر بالتقوى } . أي اعجب منه يا مخاطب . . من حيث أن المنهي على الهدى آمر بالتقوى . ...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فهل يحسن أن ينهى ، من هذا وصفه ؟ أليس نهيه ، من أعظم المحادة لله ، والمحاربة للحق ؟ فإن النهي ، لا يتوجه إلا لمن هو في نفسه على غير الهدى ، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى . ...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
التقوى : الاتقاء من عذاب الله بصالح العمل . .. وبمناسبة ورود كلمة ( التقوى ) لأول مرة في السورة نقول : إن الأمر بالتقوى ، والحثّ عليها ، والتنويه بالمتقين ، ووعد الله لهم بالغفران وتوسيع الرزق والهداية إلخ ، قد تكرر في القرآن كثيرا حتى لقد بلغ عدد الآيات التي وردت فيها الكلمة ومشتقاتها نحو مائتين وخمسين مرة ، مما يدل على مبلغ العناية القرآنية بذلك . والكلمة في أصل معناها وقصدها التوقّي من غضب الله وسخطه باجتناب نواهيه واتباع أوامره . وهو لا يأمر إلا بما فيه خير للإنسان والإنسانية . ولا ينهى إلا عما فيه ضرر لهما . وبعبارة أخرى : إن المقصد أو الهدف المتوخى من الأمر بالتقوى والحثّ عليها هو إصلاح الإنسان ، وتوجيه المسلم إلى كل ما فيه الخير ، وإشعاره بالخوف من الله عز وجل ، وجعله يتجنب كل ما فيه شر وضرر . وفي القرآن آيات عديدة تضمنت تقرير الفوائد وجوب تلازم التقوى مع الإيمان ... .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
في دعوته إلى الله ، وفي أمره للناس بالتقوى ، كيف يواجه الموقف الذي يقفه منه ؟ وهل يعرف ما هي النتائج السلبية الصعبة التي ستحدث له من خلال ذلك ؟ ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.