ثم بشر الله - تعالى - عباده بجملة من البشارات الكريمة ، فقال - تعالى - : { ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ادخلوا الجنة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } .
والخوف معناه : توقع ما يخشاه ويغتم له الإِنسان فى المستقبل . والحزن معناه : غم يلحق الإِنسان من أجل شئ مضى .
وقوله : { تُحْبَرُونَ } أى : تحفرحون وسترون سرورا عظيما يظهر حباره - بفتح الحاء وكسرها - أى : أثره الحسن على وجوهكم وأفئدتكم ، فهو من الحبر - بفتح الحاء والباء - بمعنى الأثر . ويصح أن يكون من الحَبْر - بسكون الباء - بمعنى الزينة وحسن الهيئة .
وبهذا ترى الآيات الكريمة قد نفت عنهم الخوف والحزن ، وفتحت لهم أبواب الجنة ، وأعلمتهم بأنهم سيكونون هم وأزواجهم فى سرور دائم .
أى : يقول الله - تعالى - لعباده من المؤمنين يوم القيامة : يا عباد الذين شرفتكم بالإِضافة إلى ذاتى ، لا خوف عليكم اليوم من أمر المستقبل ، ولا أنتم تحزنون على أمر مضى .
وقوله : { يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } ثم بشرهم .
فقال : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ } أي : آمنت قلوبهم وبواطنهم ، وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم .
قال المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع ، فينادي مناد : { يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } فيرجوها الناس كلهم ، قال : فيتبعُها : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ } ، قال : فييأس الناس منها غير المؤمنين .
وقوله : يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه . ومعنى الكلام : الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتقين ، فإنهم يقال لهم : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي ، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم ، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها .
وذُكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم القيامة ، فيطمع فيها من ليس من أهلها حتى يسمع قوله : الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ فييأس منها عند ذلك .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلاّ فزع ، فينادي منادٍ : يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها الناس كلهم ، قال : فيتبعها الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ قال : فييأس الناس منها غير المسلمين .
وقوله : { يا عبادي } المعنى يقال لهم ، أي للمتقين .
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر : «يا عباديَ » بفتح الياء ، وهذا هو الأصل . وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر : «يا عبادي » بسكون الياء . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم «يا عباد » بحذف الياء . قال أبو علي : وحذفها أحسن ، لأنه في موضع تنوين وهي قد عاقبته ، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد ، كذلك تحذف الياء هنا لكونها على حرف ، كما أن التنوين كذلك ، ولأنها لا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون .
وذكر الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال : سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع ، فينادي مناد : { لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } فيرجوها الناس كلهم ، قال فيتبعها . { الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } [ الزخرف : 69 ] قال : فييأس منها جميع الكفار .
وقرأ الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ويعقوب : «لا خوفَ » بنصب الفاء من غير تنوين . وقرأ ابن محيصن برفع الفاء من غير تنوين .
جملة { يا عبادي } مقولة لقول محذوف دلت عليه صيغة الخطاب ، أي نقول لهم أو يقول الله لهم .
وقرأ الجمهور { يا عبادي } بإثبات الياء على الأصل . وقرأه حفص والكسائي بحذف ( ياء ) المتكلم تخفيفاً . قال ابن عطية قال أبو علي : وحذفها حسن لأنها في مَوْضِعِ تنوين وهي قد عاقبته فكما يحذف التنوين في الاسم المفرد المنادَى كذلك تحذف اليَاء هنا .
ومفاتحة خطابهم بنفي الخوف عنهم تأنيس لهم ومنة بإنجائهم من مثله وتذكيرٌ لهم بسبب مخالفة حالهم لِحال أهل الضلالة فإنهم يشاهدون ما يعامل به أهل الضلالة والفساد .
و { لا خوف } مرفوع منون في جميع القراءات المشهورة ، وإنما لم يفتح لأن الفتح على تضمين ( مِن ) الزائدة المؤكدة للعموم وإذ قد كان التأكيد مفيداً التنصيص على عدم إرادة نفي الواحد ، وكان المقام غير مقام التردد في نفي جنس الخوف عنهم لأنه لم يكن واقعاً بهم حينئذٍ مع وقوعه على غيرهم ، فأمارة نجاتهم منه واضحة ، لم يحتج إلى نصب اسم { لا } ، ونظيره قول الرابعة من نساء حديث أمّ زرع : زوجِي كَلَيْل تِهامهْ ، لا حَرٌّ ولا قُرٌّ ولا مخافةٌ ولا سآمهْ .
روايته برفع الأسماء الأربعة لأن انتفاء تلك الأحوال عن ليل تهامة مشهور ، وإنما أرادت بيان وجوه الشبه من قولها كليللِ تهامة .
وجيء في قوله : { ولا أنتم تحزنون } بالمسند إليه مخبراً عنه بالمسند الفِعلي لإفادة التقويّ في نفي الحزن عنهم ، فالتقوي أفاد تقوّي النفي لا نفي قوة الحزن الصادق بحزن غير قوي . هذا هو طريق الاستعمال في نفس صيغ المبالغة كما في قوله تعالى : { وما ربّك بظلامٍ للعبيد } [ فصلت : 46 ] ، تطميناً لأنفسهم بانتفاء الحزن عنهم في أزمنة المستقبل ، إذ قد يهجس بخواطرهم هل يدوم لهم الأمْن الذي هم فيه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
لما كان يوم القيامة وقع الخوف فقال: {يا عباد لا خوف عليكم}: رفع الله الخوف عن المؤمنين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ" وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه. ومعنى الكلام: الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتقين، فإنهم يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي لا خوف عليكم خوف الغير كقوله تعالى: {لا يبغون عنها حِولاً} [الكهف: 108] {ولا أنتم تحزنون} أي لا خوف عليكم خوف الأحوال، أي لا حزن لهم في حال كونهم فيها، ولا لهم فيها خوف غير ذلك ولا زواله عليهم؛ لأنّ خوف الزوال مما يُنغِّص على صاحبه النعمة التي هي له، يخبر أنّ ذلك دائم باق، لا زوال له، ولا فناء...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أخبر تعالى بما يقال للمؤمنين المطيعين من عباده فإنه يناديهم فيقول لهم "يا عبادي "وخصهم بأنهم عباده من حيث أطاعوه واجتنبوا معاصيه.
" لا خوف عليكم اليوم "من العقاب "ولا أنتم تحزنون" من فوت الثواب...
{يا عباد} كلام الله تعالى، فكأن الحق يخاطبهم بنفسه ويقول لهم {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} وفيه أنواع كثيرة مما يوجب الفرح:
(أولها) أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بنفسه من غير واسطة.
(وثانيها) أنه تعالى وصفهم بالعبودية، وهذا تشريف عظيم؛ بدليل أنه لما أراد أن يشرف محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، قال: {سبحان الذي أسرى بعبده}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أفهم هذا أنهم لا عداوة بينهم، بل يكونون في التواد على أضعاف ما كانوا عليه في الدنيا؛ لما ظهر لهم من توادهم فيها وتناصرهم هو أفضى بهم إلى الفوز الدائم برضوان الله، وصل به حالاً بين فيها ما يتلقاهم به من تواد فيه سبحانه تشريفاً لهم وتسكيناً لما يقتضيه ذلك المقام من الأهوال: {يا عباد} أي مقولاً لهم هذا، فخص بالإضافة إليه كما خصوه بالعبادة.
{عليكم اليوم} أي في الآخرة مما يحويه ذلك اليوم العظيم من الأهوال والأمور الشداد والزلازل.
{ولا أنتم تحزنون} أي لا يتجدد لكم حزن على شيء فات في وقت من الأوقات الآتية لأنكم لا يفوتكم شيء تسرون به.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {يا عبادي} مقولة لقول محذوف دلت عليه صيغة الخطاب، أي نقول لهم أو يقول الله لهم.
وقرأ الجمهور {يا عبادي} بإثبات الياء على الأصل. وقرأه حفص والكسائي بحذف (ياء) المتكلم تخفيفاً. قال ابن عطية قال أبو علي: وحذفها حسن لأنها في مَوْضِعِ تنوين وهي قد عاقبته فكما يحذف التنوين في الاسم المفرد المنادَى كذلك تحذف اليَاء هنا.
ومفاتحة خطابهم بنفي الخوف عنهم؛ تأنيس لهم ومنة بإنجائهم من مثله وتذكيرٌ لهم بسبب مخالفة حالهم لِحال أهل الضلالة فإنهم يشاهدون ما يعامل به أهل الضلالة والفساد.
و {لا خوف} مرفوع منون في جميع القراءات المشهورة، وإنما لم يفتح لأن الفتح على تضمين
(مِن) الزائدة المؤكدة للعموم؛ وإذ قد كان التأكيد مفيداً التنصيص على عدم إرادة نفي الواحد، وكان المقام غير مقام التردد في نفي جنس الخوف عنهم لأنه لم يكن واقعاً بهم حينئذٍ مع وقوعه على غيرهم، فأمارة نجاتهم منه واضحة، لم يحتج إلى نصب اسم {لا}... وجيء في قوله: {ولا أنتم تحزنون} بالمسند إليه مخبراً عنه بالمسند الفِعلي لإفادة التقويّ في نفي الحزن عنهم، فالتقوي أفاد تقوّي النفي لا نفي قوة الحزن الصادق بحزن غير قوي. هذا هو طريق الاستعمال في نفس صيغ المبالغة كما في قوله تعالى: {وما ربّك بظلامٍ للعبيد} [فصلت: 46] تطميناً لأنفسهم بانتفاء الحزن عنهم في أزمنة المستقبل، إذ قد يهجس بخواطرهم هل يدوم لهم الأمْن الذي هم فيه.