{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } أي : من هو خالق العالم العُلْوي بما فيه من الكواكب النيّرات ، والملائكة الخاضعين له في سائر الأقطار منها والجهات ، ومن هو رب العرش العظيم ، يعني : الذي هو سقف المخلوقات ، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " شأن الله أعظم من ذلك ، إن{[20635]} عرشه على سمواته هكذا " وأشار بيده مثل القبة{[20636]} .
وفي الحديث الآخر : " ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة " {[20637]} .
ولهذا قال بعض السلف : إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيرة خمسين ألف سنة ، [ وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة ]{[20638]} .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إنما سمي عرشًا لارتفاعه .
وقال الأعمش عن كعب الأحبار : إن السموات والأرض في العرش ، كالقنديل المعلق بين السماء والأرض .
وقال مجاهد : ما السموات والأرض في العرش إلا كحلقة في أرض فَلاة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا العلاء بن سالم ، حدثنا وَكِيع ، حدثنا{[20639]} سفيان الثوري ، عن عمار الدُّهني{[20640]} ، عن مسلم البَطِين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : العرش لا يقدر أحد قدره . وفي رواية : إلا الله عز وجل{[20641]} . وقال بعض السلف : العرش من ياقوتة حمراء .
ولهذا قال هاهنا : { وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } يعني : الكبير : وقال في آخر السورة : { رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }
أي : الحسن البهي . فقد جمع العرش بين العظمة في الاتساع والعلو ، والحسن الباهر ؛ ولهذا قال من قال : إنه من ياقوتة حمراء .
وقال ابن مسعود : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور{[20642]} العرش من نور وجهه .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ مَن رّبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَرَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد : من ربّ السموات السبع ، وربّ العرش المحيط بذلك ؟ سيقولون : ذلك كله لله ، وهو ربه . فقل لهم : أفلا تتقون عقابه على كفركم به وتكذيبكم خبره وخبر رسوله ؟
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله : سَيَقُولُونَ لِلّهِ فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق والشام : سَيَقُولُونَ لِلّهِ سوى أبي عمرو ، فإنه خالفهم فقرأه : «سَيَقُولُونَ اللّهُ » في هذا الموضع ، وفي الاَخر الذي بعده ، اتباعا لخط المصحف ، فإن ذلك كذلك في مصاحف الأمصار إلاّ في مصحف أهل البصرة ، فإنه في الموضعين بالألف ، فقرءوا بالألف كلّها اتباعا لخط مصحفهم . فأما الذين قرءوه بالألف فلا مؤنة في قراءتهم ذلك كذلك ، لأنهم أجروا الجواب على الابتداء وردّوا مرفوعا على مرفوع . وذلك أن معنى الكلام على قراءتهم : قل من ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم ؟ سيقولون ربّ ذلك الله . فلا مؤنة في قراءة ذلك كذلك . وأما الذين قرءوا ذلك في هذا والذي يليه بغير ألف ، فإنهم قالوا : معنى قوله قُلْ مَنْ رَبّ السّمَوَاتِ لمن السموات ؟ لمن ملك ذلك ؟ فجعل الجواب على المعنى ، فقيل : لله لأن المسألة عن ملك ذلك لمن هو ؟ قالوا : وذلك نظير قول قائل لرجل : مَن مولاك ؟ فيجيب المجيب عن معنى ما سئل ، فيقول : أنا لفلان لأنه مفهوم بذلك من الجواب ما هو مفهوم بقوله : مولاي فلان . وكان بعضهم يذكر أن بعض بني عامر أنشده :
وأعْلَمُ أنّنِي سأكُونُ رَمْسا *** إذَا سارَ النّوَاجِعُ لا يَسِيرُ
فَقالَ السّائِلُونَ لَمِنْ حَفَرْتُمْ *** فَقالَ المُخْبِرُونَ لَهُمْ : وَزِيرُ
فأجاب المخفوض بمرفوع ، لأن معنى الكلام : فقال السائلون : من الميت ؟ فقال المخبرون : الميت وزير فأجابوا عن المعنى دون اللفظ .
والصواب من القراءة في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بهما علماء من القرّاء ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . غير أني مع ذلك أختار قراءة جميع ذلك بغير ألف ، لإجماع خطوط مصاحف الأمصار على ذلك سوى خط مصحف أهل البصرة .
تكرير الأمر بالقول وإن كان المقول مختلفاً دون أن تعطف جملة { مَن رب السماوات } لأنها وقعت في سياق التعداد فناسب أن يعاد الأمر بالقول دون الاستغناء بحرف العطف . والمقصود وقوع هذه الأسئلة متتابعة دفعاً لهم بالحجة ، ولذلك لم تُعَد في السؤالين الثاني والثالث جملة { إن كنتم تعلمون } [ المؤمنون : 84 ] اكتفاءً بالافتتاح بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.