القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله ، ولا قدروا على نهوض به . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ يقول : ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ قال : من نهوض .
وكان بَعْض أهل العربية يقول : معنى قوله : فَما اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ : فما قاموا بها ، قال : لو كانت فما استطاعوا من إقامة ، لكان صوابا ، وطرح الألف منها كقوله : أنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَباتا .
وقوله : وَما كانُوا مُنْتَصِرينَ يقول : وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلّت بهم . وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ قال : ما كانت عندهم من قوّة يمتنعون بها من الله عزّ وجلّ .
قوله : { فما استطاعوا من قيام } تفريع على { وهم ينظرون } ، أي فما استطاعوا أن يدفعوا ذلك حين رؤيتِهم بوادرَه . فالقيام مجاز للدفاع كما يقال : هذا أمر لا يقوم له أحد ، أي لا يدفعه أحد . وفي الحديث « غَضِب غضباً لا يقوم له أحد » أي فما استطاعوا أيّ دفاع لذلك .
وقوله : { وما كانوا منتصرين } أي لم ينصرهم ناصر حتى يكونوا منتصرين لأن انتصر مطاوع نصر ، أي ما نصرهم أحد فانتصروا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فما استطاعوا من قيام} يعني أن يقوموا للعذاب حين غشيهم.
{وما كانوا منتصرين} يعني ممتنعين من العذاب حين أهلكوا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله، ولا قدروا على نهوض به...
وقوله:"وَما كانُوا مُنْتَصِرينَ "يقول: وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلّت بهم... عن قتادة "وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ" قال: ما كانت عندهم من قوّة يمتنعون بها من الله عزّ وجلّ.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ} فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض به ولا دفاع.
{وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} منتقمين منّا...وما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله...
قوله تعالى: {فما استطاعوا من قيام} يحتمل وجهين:
(أحدهما) أنه لبيان عجزهم عن الهرب والفرار على سبيل المبالغة، فإن من لا يقدر على قيام كيف يمشي فضلا عن أن يهرب.
(إحداها) قوله تعالى: {فما استطاعوا} فإن الاستطاعة دون القدرة، لأن في الاستطاعة دلالة الطلب وهو ينبئ عن عدم القدرة والاستقلال، فمن استطاع شيئا كان دون من يقدر عليه... وقوله: {فما استطاعوا} أبلغ من قول القائل: ما قدروا على قيام.
(ثانيها) قوله تعالى: {من قيام} بزيادة من، وقد عرفت ما فيه من التأكيد.
(ثالثها) قوله: {قيام} بدل قوله هرب لما بينا أن العاجز عن القيام أولى أن يعجز عن الهرب.
(الوجه الثاني) هو أن المراد من قيام القيام بالأمر، أي ما استطاعوا من قيام به.
وقوله تعالى: {وما كانوا منتصرين} أي ما استطاعوا الهزيمة والهرب، ومن لا يقدر عليه يقاتل وينتصر بكل ما يمكنه لأنه يدفع عن الروح، وهم مع ذلك ما كانوا منتصرين، وقد عرفت أن قول القائل ما هو بمنتصر أبلغ من قوله ما انتصر ولا ينتصر، والجواب ترك مع كونه يجب تقديره وقوله: ما انتصر أي لشيء من شأنه ذلك، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فما} أي فتسبب عن ذلك أنه ما {استطاعوا} أي تمكنوا، وأكد النفي فقال: {من قيام} أي بعد مجيئها بأن عاجلتهم بإهلاكها عن القيام.
ولما كان الإنسان قد لا يتمكن من القيام لعارض في رجليه وينتصف من عدوه بما يرتبه من عقله ويدبره برأيه قال: {وما كانوا} أي كوناً ما {منتصرين} أي لم يكن فيهم أهلية للانتصار بوجه، لا بأنفسهم ولا بناصر ينصرهم فيطاوعونه في النصرة لأن تهيؤهم لذلك سقط بكل اعتبار.