مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ مِن قِيَامٖ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} (45)

قوله تعالى : { فما استطاعوا من قيام } يحتمل وجهين ( أحدهما ) أنه لبيان عجزهم عن الهرب والفرار على سبيل المبالغة ، فإن من لا يقدر على قيام كيف يمشي فضلا عن أن يهرب ، وعلى هذا فيه لطائف لفظية ( إحداها ) قوله تعالى : { فما استطاعوا } فإن الاستطاعة دون القدرة ، لأن في الاستطاعة دلالة الطلب وهو ينبئ عن عدم القدرة والاستقلال ، فمن استطاع شيئا كان دون من يقدر عليه ، ولهذا يقول المتكلمون الاستطاعة مع الفعل أو قبل الفعل إشارة إلى قدرة مطلوبه من الله تعالى مأخوذة منه وإليه الإشارة بقوله تعالى : { هل يستطيع ربك } على قراءة من قرأ بالتاء وقوله : { فما استطاعوا } أبلغ من قول القائل ما قدروا على قيام . ( ثانيها ) قوله تعالى : { من قيام } بزيادة من ، وقد عرفت ما فيه من التأكيد . ( ثالثها ) قوله : { قيام } بدل قوله هرب لما بينا أن العاجز عن القيام أولى أن يعجز عن الهرب . ( الوجه الثاني ) هو أن المراد من قيام القيام بالأمر ، أي ما استطاعوا من قيام به .

وقوله تعالى : { وما كانوا منتصرين } أي ما استطاعوا الهزيمة والهرب ، ومن لا يقدر عليه يقاتل وينتصر بكل ما يمكنه لأنه يدفع عن الروح وهم مع ذلك ما كانوا منتصرين ، وقد عرفت أن قول القائل ما هو بمنتصر أبلغ من قوله ما انتصر ولا ينتصر والجواب ترك مع كونه يجب تقديره وقوله : ( ما انتصر ) أي لشيء من شأنه ذلك ، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر .