وبهذا تنتهي تلك الجولة المديدة في الأنفس والآفاق ، لتبدأ بعدها جولة في مصارع الغابرين ، بعدما جاءتهم النذر فكذبوا بها كما يكذب المشركون . وهي جولة مع قدرة الله ومشيئته وآثارها في الأمم قبلهم واحدة واحدة .
( وأنه أهلك عادا الأولى . وثمود فما أبقى . وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى . والمؤتفكة أهوى . فغشاها ما غشى . فبأي آلاء ربك تتمارى ? )
إنها جولة سريعة . تتألف من وقفة قصيرة على مصرع كل أمة ، ولمسة عنيفة تخز الشعور وخزا .
وعاد وثمود وقوم نوح يعرفهم قارئ القرآن في مواضع شتى ! والمؤتفكة هي أمة لوط . من الإفك والبهتان والضلال . . وقد أهواها في الهاوية وخسف بها
{ والمؤتفكة } هي قرى قوم لوط سميت بذلك لأنها ائتفكت بأهلها أي انقلبت بهم ، ومنه الإفك لأنه قلب الحق ، وجوز أن يراد بالمؤتفكة كل ما انقلبت مساكنه ودثرت أماكنه .
وقرأ الحسن والمؤتفكات جمعاً { أهوى } أي أسقطها إلى الأرض بعد أن رفعها على جناح جبريل عليه السلام إلى السماء ، وقال المبرد : جعلها تهوى .
والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة وأخر العامل لكونه فاصلة ، وجوز أن يكون المؤتفكة معطوفاً على ما قبله و { أهوى } مع فاعله جملة في موضع الحال بتقدي قد ، أو بدونه توضح كيفية إهلاكهم .
والمراد بالمؤتفكات قوم لوط - عليه السلام - ، وسموا بذلك لأن قريتهم ائتفكت بأهلها ، أى : انقلبت راسا على عقب . يقال : أفَكَه عن كذا يَأْفِكُه إذا قلبه وصرفه . ومنه الإفك ، لأنه قلب للحق عن وجهه الصحيح .
أى : وأهلك - سبحانه - القرى المؤتفكة بأهلها ، بأن أهوى بها جبريل - عليه السلام - إلى الأرض بعد أن رفعها إلى السماء
قوله : { والمؤتفكة أهوى } المؤتفكة ، من الأفك ، بفتح الهمزة وسكون الفاء ، وهو القلب . أفكة أي قلبه . ائتفكت البلدة بأهلها أي انقلبت{[4387]}والمؤتفكة ، منصوب ، لأنه مفعول { أهوى } {[4388]} والمراد بالمؤتفكة مدائن قوم لوط التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت . فقد رفعها جبريل إلى السماء ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها وجعل عاليها سافلها .