( إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ) . .
وهذا بيان لطبيعة الرسالة بعد بيان حقيقة الرسول . وطبيعة هذه الرسالة الاستقامة . فهي قائمة كحد السيف لا عوج فيها ولا انحراف ، ولا التواء فيها ولا ميل . الحق فيها واضح لا غموض فيه ولا التباس . ولا يميل مع هوى ولا ينحرف مع مصلحة . يجده من يطلبه في يسر وفي دقة وفي خلوص .
وهي لاستقامتها - بسيطة لا تعقيد فيها ولا لف ولا دوران . لا تعقد الأمور ولا توقع في إشكالات من القضايا والتصورات والأشكال الجدلية . وإنما تصدع بالحق في أبسط صورة من صوره ، وأعراها عن الشوائب والأخلاط ، وأغناها عن الشرح ، وتفصيص العبارات وتوليد الكلمات ، والدخول بالمعاني في الدروب والمنحنيات ! يمكن أن يعيش بها ومعها البادي والحاضر ، والأمي والعالم ، وساكن الكوخ وساكن العمارة ؛ ويجد فيها كل حاجته ؛ ويدرك منها ما تستقيم به حياته ونظامه وروابطه في يسر ولين .
وهي مستقيمة مع فطرة الكون وناموس الوجود ، وطبيعة الأشياء والأحياء حول الإنسان ، فلا تصدم طبائع الأشياء ، ولا تكلف الإنسان أن يصدمها ، إنما هي مستقيمة على نهجها ، متناسقة معها ، متعاونة كذلك مع سائر القوانين التي تحكم هذا الوجود وما فيه ومن فيه .
وهي من ثم مستقيمة على الطريق إلى الله ، واصلة إليه موصلة به ، لا يخشى تابعها أن يضل عن خالقه ، ولا أن يلتوي عن الطريق إليه . فهو سالك درباً مستقيماً واصلاً ينتهي به إلى رضوان الخالق العظيم .
والقرآن هو دليل هذا الصراط المستقيم . وحيثما سار الإنسان معه وجد هذه الاستقامة في تصويره للحق ، وفي التوجيه إليه ، وفي أحكامه الفاصلة في القيم ، ووضع كل قيمة في موضعها الدقيق .
وقوله : عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول : على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى ، وهو الإسلام ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ : أي على الإسلام .
وفي قوله : عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وجهان أحدهما : أن يكون معناه : إنك لمن المرسلين على استقامة من الحقّ ، فيكون حينئذٍ على من قوله عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ من صلة الإرسال . والاَخر أن يكون خبرا مبتدأ ، كأنه قيل : إنك لمن المرسلين ، إنك على صراط مستقيم .
{ على صراط مستقيم } خبر ثان ل ( إنّ ) ، أو حال من اسم ( إنّ ) . والمقصود منه : الإِيقاظ إلى عظمة شريعته بعد إثبات أنه مرسل كغيره من الرسل .
و { على } للاستعلاء المجازي الذي هو بمعنى التمكُّن كما تقدم في قوله : { أولئك على هدى من ربهم } في سورة البقرة ( 5 ) . وليس الغرض من الإِخبار به عن المخاطب إفادة كونه على صراط مستقيم لأن ذلك معلوم حصوله من الأخبار من كونه أحد المرسلين . فقد علم أن المراد من المرسلين المرسلون من عند الله ، ولكن الغرض الجمع بين حال الرسول عليه الصلاة والسلام وبين حال دينه ليكون العِلم بأن دينه صراط مستقيم عِلماً مُستقلاً لا ضِمنياً .
والصراط المستقيم : الهدى الموصل إلى الفوز في الآخرة ، وهو الدين الذي بعث به النبي ، والخُلُق الذي لَقنه الله ، شبه بطريق مستقيم لا اعوجاج فيه في أنه موثوق به في الإِيصال إلى المقصود دون أن يتردد السائر فيه .
فالإِسلام فيه الهدى في الحياتين فمتَّبِعه كالسائر في صراط مستقيم لا حيرة في سيره تعتريه حتى يبلغ المكان المراد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.