تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم استأنف فقال: {إلا المصلين} فليسوا كذلك.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلى لله.
وقيل: عُني بقوله:"إلاّ المُصَلّينَ": المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل عُنِي به كلّ من صلى الخمس.
عقبة بن عامر الجُهَنيّ، عن: الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ قال: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خَلْفَهم، ولا عن أيمانهم، ولا عنى شمائلهم.
[عن] عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ، فإنّ اللّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا» قالت: وكان أحبّ الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووم عليه قال: يقول أبو سلمة: إن الله يقول: الّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دَائمُونَ.
وقوله: "إلاّ المُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ "يقول: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي لله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إلا المصلين} {الذين هم على صلاتهم دائمون} معناه، والله اعلم: لأن المصلين يقومون برياضة أنفسهم حتى يصرفوها عن خلقتها التي أنشئت عليها، ثم بين أن الذين يقومون برياضة أنفسهم، هم الذين يقومون على صلاتهم، دون الذين يقومون على الصلاة كسالى، ولا يداومون عليها، ولا ينفقون من أموالهم إلا عن كراهة.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: الآية في الصلوات المكتوبة. وقيل: إدامتها هو إقامتها في أوقاتها. ويقال: ليست إدامتها أن يصلي أبدا، ولكن إدامتها أنه إذا صلى لم يلتفت يمينا ولا شمالا. ويقال: إدامة الصلوات: ألا يتركها، وهذا قول حسن. وعن بعض السلف هو ألا يؤخرها عن المواقيت.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله تعالى: {إلا المصلين} أي إلا المؤمنين الذين أمر الآخرة أوكد عليهم من أمر الدنيا، والمعنى أن هذا المعنى فيهم يقل لأنهم يجاهدون بالتقوى.
واعلم أنه استثنى من هذه الحالة المذكورة المذمومة من كان موصوفا بثمانية أشياء: أولها قوله: {إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون} فإن قيل: قال: {على صلاتهم دائمون} ثم: {على صلاتهم يحافظون} قلنا: معنى دوامهم عليها أن لا يتركوها في شيء من الأوقات ومحافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها حتى يؤتى بها على أكمل الوجوه، وهذا الاهتمام إنما يحصل تارة بأمور سابقة على الصلاة وتارة بأمور لاحقة بها، وتارة بأمور متراخية عنها، أما الأمور السابقة فهو أن يكون قبل دخول وقتها متعلق القلب بدخول أوقاتها، ومتعلق بالوضوء، وستر العورة وطلب القبلة، ووجدان الثوب والمكان الطاهرين، والإتيان بالصلاة في الجماعة، وفي المساجد المباركة، وأن يجتهد قبل الدخول في الصلاة في تفريغ القلب عن الوساوس والالتفات إلى ما سوى الله تعالى، وأن يبالغ في الاحتراز عن الرياء والسمعة، وأما الأمور المقارنة فهو أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا، وأن يكون حاضر القلب عند القراءة، فاهما للأذكار، مطلعا على حكم الصلاة، وأما الأمور المتراخية فهي أن لا يشتغل بعد إقامة الصلاة باللغو واللهو واللعب، وأن يحترز كل الاحتراز عن الإتيان بعدها بشيء من المعاصي.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان التقدير: فهو يسارع في آثار ما جبل عليه ما يترتب على الجزع مما لا يجوز في الشرع ومما يترتب على المنع من ذلك أيضاً فيكون من أهل النار، وكان من القدرة البالغة أن يحفظ سبحانه من أراد من الخزي مع جبلته ويحمله على كسر نفسه مرة بعد أخرى حتى يتلاشى ما عنده من جبلة الشر، وتبقى الروح على حالها عند الفطرة الأولى، فلا تزال تحثه على المبادرة إلى طاعته سبحانه وتعالى وحفظ حدوده، فكان لا كرامة أعظم من حفظ المكلف لحدود الشرع مع المنافاة لطبعه، فيكون جامعاً للإيمان بنصفيه: الصبر والشكر، لما جمع من هذه الأوصاف الثمان المعادة لأبواب الجنة الثمان، فكانت أسباباً لها، استثنى من هذا النوع الهلوع ولذلك جمع فقال: {إلا المصلين} أي المحافظين على الصلاة التي هي مواطن الافتقار، العريقين في هذا الوصف، فإنه لا يشتد هلعهم فلا يشتد جزعهم ولا منعهم، فيكونوا في أحسن تقويم معتدلين مسارعين فيما يرضي الرب، لأنه سبحانه قرن بما جبلهم عليه من الهلع من طهارة الجسد لطهارة طينته وزكاء روحه ما هيأه به لتهذيب نفسه مما يسره له من أصدقاء الخير وأولياء المعروف وسماع المواعظ الحسان والإبعاد عن معادن الدنس من البقاع والأقران والكلام والأفعال وغير ذلك من سائر الأحوال، والملابسة بكل ما يحمل على المعالي من صالح الخلال حتى كانوا من أهل الكمال،
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{إِلَّا الْمُصَلِّينَ} الموصوفين بتلك الأوصاف فإنهم إذا مسهم الخير شكروا الله، وأنفقوا مما خولهم الله، وإذا مسهم الشر صبروا واحتسبوا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع، تلك السمة العامة للإنسان، يفصلها السياق هنا ويحددها: (إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون).. والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان، هي وسيلة الاتصال بالله والاستمداد من ذلك الرصيد. ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة. وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا: (الذين هم على صلاتهم دائمون).. تعطي صورة الاستقرار والاستطراد، فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة.. وقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا عمل شيئا من العبادة أثبته -أي داوم عليه- وكان يقول: "وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل".. لملاحظة صفة الاطمئنان والاستقرار والثبات على الاتصال بالله، كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتصال. فليس هو لعبة توصل أو تقطع، حسب المزاج!
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذا ما جعل استثناء المصلّين في قوله تعالى: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} أمراً طبيعياً، من خلال ما ترمز إليه الصلاة في حياة الإنسان المؤمن من إيمانٍ بالله، وثقةٍ به، وتوكلٍّ عليه، واستسلام له، وانفتاح على معنى العبودية في ذاته، في ما يؤكده ذلك من إحساسٍ بمعنى الحرية الإنسانية أمام الكون كله، لأنه يتساوى معه في كونه مخلوقاً لله تعالى. وفي ضوء ذلك، يمكن للقيم الروحية الإنسانية في جانبها العملي أن تؤثر إيجابياً في شعوره بالقوّة وحركة الخير والعطاء في حياته، من خلال الإيمان بأن الله يرعاه في نقاط ضعفه وقوّته، وأنه يعوّض عليه كل ما يقدمه للآخرين من ماله، وهذه هي الصفات التي يمكن أن يتّصف بها المصلّون في حركتهم الأخلاقية العملية التي ترتفع بهم إلى مستوى الإنسانية القريبة من الله سبحانه.