{ وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا } أي : لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه ، بل هي مضرة عليه ؛ لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب ، وأنواع النكال .
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان - يعني التيمي - عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أهل النار الذين هم أهلها لا{[29972]} يموتون ولا يحيون ، وأما أناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم في النار فيدخل عليهم الشفعاء{[29973]} فيأخذ الرجل أنصاره فينبتهم - أو قال : ينبتون - في نهر الحياء - أو قال : الحياة - أو قال : الحيوان - أو قال : نهر الجنة فينبتون - نبات الحبَّة في حميل السيل " . قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما ترون الشجرة تكون خضراء ، ثم تكون صفراء أو قال : تكون صفراء ثم تكون خضراء ؟ " . قال : فقال بعضهم : كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبادية{[29974]} .
وقال أحمد أيضا : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أهل النار الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن أناس - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال : بخطاياهم - فيميتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة ، فجيء بهم ضبائر ضبائر ، فنبتوا على أنهار الجنة ، فيقال : يا أهل الجنة ، اقبضوا عليهم . فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل " . قال : فقال رجل من القوم حينئذ : كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية .
ورواه مسلم في حديث بشر بن المفضل{[29975]} وشعبة ، كلاهما عن أبي مَسْلَمة سعيد بن زيد ، به مثله{[29976]} ورواه أحمد أيضا عن يزيد ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل النار الذين لا يريد الله إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، وأن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة ، حتى يصيروا فحمًا ، ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة ، أو : يرش{[29977]} عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبَّة في حميل السيل " {[29978]} .
وقد قال الله إخبارا عن أهل النار : { وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ] وقال تعالى : { لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى .
وقوله : ثُمّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيا يقول : ثم لا يموت في النار الكُبرى ولا يحيا ، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه ، فلا تخرج فتفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . وقيل : لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة تنفعه .
وقال آخرون : قيل ذلك ، لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة ، قالوا : لا هو حيّ ، ولا هو ميت ، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال :{ ثم لا يموت فيها ولا يحيى } يقول : لا يموت في النار فيستريح ، ولا يحيا حياة طيبة ، ولكنه في بلاء ما دام في النار يأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت... ويحترق كل يوم سبع مرات ، ثم يعاد إلى العذاب ليس له طعام إلا من لحمه ، فذلك قوله : "ولا طعام إلا من غسلين" ، يأكل النار وتأكله وهو في النار ، لباسه النار ، وعلى رأسه نار ، وفي عنقه نار ... لا يرحم أبدا ، ولا يشبع أبدا ، ولا يموت أبدا ، ولا يعيش معيشة طيبة أبدا ، الله عليه غضبان ، والملائكة غضاب ، وجهنم غضبانة . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "ثُمّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيا" يقول : ثم لا يموت في النار الكُبرى ولا يحيا ، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه ، فلا تخرج فتفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . وقيل : لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة تنفعه .
وقال آخرون : قيل ذلك ، لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة ، قالوا : لا هو حيّ ، ولا هو ميت ، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي لا تنقضي عنه أفعال الموت ، وهي آلامها وأوجاعها ، بل يبقى في آلامها أبدا . قال تعالى : { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } [ إبراهيم : 17 ] أي لا يقضى عليه حتى يتخلص من أوجاعها { ولا يحيى } فقوله : { ولا يحيى } أي لا يرتفع عنه ألم الموت ، أو يكون قوله : { لا يموت فيها } فيستريح { ولا يحيى } حياة يتلذذ بها . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ثم لا يموت فيها } أي لا يتجدد له في هذه النار موت وإن طال المدى . ولما كان من يدخل النار فلا تؤثر في موته قد يكون ذلك إكراماً له من باب خرق العوائد ، احترز عنه بقوله : { ولا يحيى } أي حياة تنفعه لأنه ما تزكى فلا صدق ولا صلى .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فلا هو يموت فيجد طعم الراحة ؛ ولا هو يحيا في أمن وراحة . إنما هو العذاب الخالد ، الذي يتطلع صاحبه إلى الموت كما يتطلع إلى الأمنية الكبرى ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فمعنى { لا يموت } : لا يزول عنه الإِحساس ، فإن الموت فقدان الإِحساس مع ما في هذه الحالة من الأعجوبة وهي مما يؤكد اعتبار تراخي الرتبة في هذا التنكيل . وتعقيبه بقوله : { ولا يحيى } احتراس لدفع توهم أن يراد بنفي الموت عنهم أنهم استراحوا من العذاب لما هو متعارف من أن الاحتراق يُهلك المحرَق ، فإذا قيل : { لا يموت } توهَّم المنذَرون أن ذلك الاحتراق لا يبلغ مبلغ الإِهلاك فيبقى المحرق حياً فيظن أنه إحراق هيّن فيكون مسلاة للمهددين فلدفع ذلك عطف عليه { ولا يحيى } ، أي حياة خالصة من الآلام والقرينة على الوصف المذكور مقابلة ولا يحيى بقوله : { يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها }...