{ 93 - 95 } { قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ }
لما أقام تعالى على المكذبين أدلته العظيمة ، فلم يلتفتوا لها ، ولم يذعنوا لها ، حق عليهم العذاب ، ووعدوا بنزوله ، وأرشد الله رسوله أن يقول : { قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } أي : أي وقت أريتني عذابهم ، وأحضرتني ذلك .
ثم تترك السورة الحديث مع هؤلاء المشركين ، وتوجه حديثها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فتأمره أن يتلجىء إلى خالقه ، وأن يستعيذ به من شرور الشياطين . . . قال - تعالى - : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي . . . } .
قال الجمل : " لما أعلم الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه منزل عذابه بهؤلاء المشركين ، إما فى حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد مماته ، علمه كيفية الدعاء بالتخلص من عذابهم فقال - تعالى - : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } وقوله : { تُرِيَنِّي } فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، و { مَا } مفعول به ، ورأى بصرية تعدت لمفعولين بواسطة الهمزة ، لأنه من أرى الرباعى ، فياء المتكلم مفعول أول ، وما الموصولة المفعول الثانى . . . " .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - يا رب إن تطلعنى وترينى العذاب الذى توعدت به هؤلاء المشركين ، فأسألك - يا إلهى - أن لا تجعلنى قريناً لهم فيه ، وأبعدنى عن هؤلاء القوم الظالمين ، حتى لا يصيبنى ما يصيبهم .
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عصمة من الله - تعالى - من أن يجعله مع القوم الظالمين ، حين ينزل بهم العذاب ، ولكن جاءت الآية بهذا الدعاء والإرشاد ، للزيادة فى التوقى ، ولتعليم المؤمنين أن لا يأمنوا مكر الله ، وأن يلوذوا دائماً بحماه .
قال الجمل : " لما أعلم الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه منزل عذابه بهؤلاء المشركين ، إما فى حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد مماته ، علمه كيفية الدعاء بالتخلص من عذابهم فقال - تعالى - : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } وقوله : { تُرِيَنِّي } فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، و { مَا } مفعول به ، ورأى بصرية تعدت لمفعولين بواسطة الهمزة ، لأنه من أرى الرباعى ، فياء المتكلم مفعول أول ، وما الموصولة المفعول الثانى . . . " .
آذنت الآيات السابقة بأقصى ضلال المشركين وانتفاء عذرهم فيما دانوا به الله تعالى وبغضب الله عليهم لذلك ، وأنهم سواء في ذلك مع الأمم التي عجل الله لها العذاب في الدنيا وادخر لها عذاباً آخر في الآخرة ، فكان ذلك نذراة لهم بمثله وتهديداً بما سيقولونه وكان مثاراً لخشية النبي صلى الله عليه وسلم أن يحل العذاب بقومه في حياته والخوف من هوْله فلقن الله نبيئه أن يسأل النجاة من ذلك العذاب . وفي هذا التلقين تعريض بأن الله منجيهم من العذاب بحكمته ، وإيماء إلى أن الله يري نبيئه حلول العذاب بمكذبيه كما هو شأن تلقين الدعاء كما في قوله : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } [ البقرة : 286 ] الآية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل رب إما تريني ما يوعدون} من العذاب، يعني: القتل ببدر، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يدعو على كفار مكة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: ربّ إنْ تُرِيَنّي في هؤلاء المشركين ما تعدهم من عذابك، فلا تهلكني بما تهلكهم به، ونجني من عذابك وسخطك فلا تجعلني في القوم المشركين، ولكن اجعلني ممن رضيت عنه من أوليائك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{رب إما تريني ما يوعدون} {رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} يحتمل وجهين:
أحدهما 2: {رب إما تريني ما توعدون} {رب فلا تجعلني في القوم الظالمين} لأنه كان وعد له أن يريه بعض ما وعد لهم بقوله: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} (يونس: 46 والرعد 40) فلا نريك شيئا، فقال: رب إن أريتني ما يوعدون، أو لا ترني {فلا تجعلني في القوم الظالمين}.
والثاني: إنك وإن أريتني ما تقدم على التحقيق {فلا تجعلني في القوم الظالمين}.
ثم يحتمل قوله: {فلا تجعلني في القوم الظالمين} وجهين: أحدهما: {فلا تجعلني في القوم الظالمين} في العذاب الذي وعدت لهم أن تنزله عليهم...
والثاني: {فلا تجعلني في القوم الظالمين} في الزيغ والغواية، يسأل ربه أن يَعصِمَهُ عن الزيغ في الضلال والغواية التي عليها القوم الظالمون وهو كدعاء إبراهيم ربه وسؤاله العصمة عن الزيغ بقوله: {رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} (إبراهيم: 35) وإن كان وعد لهم العصمة عن ذلك، والله أعلم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يقول إن عجلت لهم ما تتوعدهم به فلا تجعلني في جملتهم، ولا توصل إليَّ سوءاً مثلما توصل إليهم من عقوبتهم. وفي هذا دليلٌ على أنَّ للحقِّ أن يفعلَ ما يريد، ولو عذَّبَ البريء لم يكن ذلك منه ظلماً ولا قبيحاً.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك...
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
والمعنى: إن أريتني ما يوعدون من القتل والعذاب، فاجعلني خارجا عنهم ولا تهلكني بهلاكهم؛ فأراه الله تعالى ما وعدهم ببدر وغيرها، ونجاه ومن معه.
أي: إن كان ولابد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، فلا تجعلني قرينا لهم ولا تعذبني بعذابهم، فإن قيل كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟ قلنا يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا لربه... وإنما ذكر رب مرتين مرة قبل الشرط ومرة قبل الجزاء مبالغة في التضرع.
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :
وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله، ثم نظيره لسائر الأُمَّةِ دُعَاءٌ في حسن الخاتمة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قل رب} أي أيها المحسن إليّ، وأكد إظهاراً لعظمة المدعو به وإعلاماً بما للنبي صلى الله عليه وسلم من مزيد الشفقة على أمته مؤمنهم وكافرهم {إما تريني} أي إن كان ولا بد من أن تريني قبل موتي {ما يوعدون}
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ورسول الله [صلى الله عليه وسلم] في منجاة من أن يجعله الله مع القوم الظالمين حين يحل بهم العذاب الأليم، ويتحقق ما يوعدون، ولكن هذا الدعاء زيادة في التوقي؛ وتعليم لمن بعده ألا يأمنوا مكر الله، وأن يظلوا أبدا أيقاظا، وأن يلوذوا دائما بحماه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
آذنت الآيات السابقة بأقصى ضلال المشركين وانتفاء عذرهم فيما دانوا به الله تعالى وبغضب الله عليهم لذلك، وأنهم سواء في ذلك مع الأمم التي عجل الله لها العذاب في الدنيا وادخر لها عذاباً آخر في الآخرة، فكان ذلك نذراة لهم بمثله وتهديداً بما سيقولونه وكان مثاراً لخشية النبي صلى الله عليه وسلم أن يحل العذاب بقومه في حياته والخوف من هوْله فلقن الله نبيئه أن يسأل النجاة من ذلك العذاب. وفي هذا التلقين تعريض بأن الله منجيهم من العذاب بحكمته، وإيماء إلى أن الله يري نبيئه حلول العذاب بمكذبيه كما هو شأن تلقين الدعاء كما في قوله: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286] الآية.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
في هذه الآيات الكريمة تهديد بما أعده الله تعالى من عذاب للمشركين بعد أن بين لهم بالأدلة القاطعة أن الشرك باطل. وإن النفوس المنحرفة تخاطب بالدليل الهادي المرشد، فإن لم تجد الهداية المرشدة، والبراهين الساطعة كان الإنذار الشديد، وقد برهن فبقي الإنذار، ابتدأ سبحانه الإنذار الشديد، بأن أشار للنبي صلى الله عليه إلى أنه إنذار لا يقع في نظر النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وأنه يحسن أن يطلب رؤيته... ابتدأ القول بالنداء ب {رب} لبيان أن ذلك الذي ينذر به من مقتضى الربوبية، لأن مقتضى الربوبية، أي يجزئ المحسن إحسانا، والمسيء بما يستحق، فلا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وبذلك لقن رسوله الأعظم ان يستعيذ بالله تعالى من كل عذاب ينزله بالمكذبين، من الكفار والمشركين الذين يستعجلون العذاب في الدنيا قبل الآخرة، فلا يجعله إذا صادف عذابهم قرينا لهم، ولا يعذبه بعذابهم.
أي: إن قدّرت أن تعذبهم في حياتي فلا تعذبهم وأنا فيهم. وهذا من رقة قلبه (ص)، وحين اشتد به إيذاء الكفار وعنادهم في أول الدعوة أرسل الله إليه الملائكة تعرض عليه الانتقام من قومه المكذبين به، لكنه يأبى ذلك ويقول:"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" ويقول: "لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله". كما أن موقفه يوم فتح مكة واضح ومعروف، ذلك لأنه (ص) أرسل رحمة للعالمين. لكن، هل قال الرسول ودعا بهذا الدعاء لأنه يعتقد أن الله يجعله معهم حين ينزل بهم العذاب؟ نقول: لا، لأنه لم يقل هذه الجملة من نفسه، إنما أمره الله بها، ولم يكن رسول الله ليعتقد هذا الاعتقاد، إذن: المسألة وحي من الله لا بد أن يبلغه، وأن يقولها كما قالها الله، لأن مدلولها رحمة به في ألا يرى من يعذب، أو من باب قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.. (25)} [الأنفال]: وهذا الدعاء الذي دعا به رسول الله يدفع عنه أي خطر يطرأ عليه، ويطمئنه أن هذا الأمر لن يحدث.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
إنه التوجيه الإلهي الذي يريد أن يعمّق في وعي النبي، وفي وعي كل الناس الذين يؤمنون به ويتبعونه، الإحساس بخطورة نتائج كفر الكافرين وشركهم وانحرافهم عن خط الله، عبر أسلوب الدعاء الذي يبتهل فيه النبي إلى الله ويقول: إذا شاءت إرادتك أن تريني العذاب الذي يحلّ بالكافرين فلا تحشرني معهم.