فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} (93)

{ قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ { 93 ) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ { 94 ) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ { 95 ) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ { 96 ) }

علم الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يدعوه بهذه الدعوة : رب إن أريتني في هؤلاء المشركين الجاحدين المعاندين ما وعدتهم من عذابك ونكالك فلا تجعلني يا مولاي مع المهلكين ، ولا تهلكني بما تهلكهم به ، ولا تجعلني في المفتونين ، ولكن اجعلني فيمن رضيت عنهم من أوليائك وأنصارك ، الفائزين الناجين في الدنيا والآخرة والمنصورين ؛ جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه : " وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون " {[2402]} وقد يجوز أن يستعيذ العبد مما علم أنه لا يفعله ونقل الألوسي : وفي أمره صلى الله عليه وسلم أن يدعوا بذلك مع أنه عليه الصلاة والسلام في حرز عظيم من أن يجعل قرينا لهم إيذان بكمال فظاعة العذاب الموعود وكونه بحيث يجب أن يستعيذ منه من لا يكاد يمكن أن يحيق به . . . وقيل : لأن شؤم الكفرية قد يحيق بمن سواهم ، كقوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة . . ) وإنا لقادرون على أن نريك يا محمد ما وعدناهم من العذاب ولكنا نؤخره ليبلغ الكتاب أجله لعلمنا أن بعضهم أو بعض أعقابهم سيؤمنون ، أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم{[2403]} وأمر المولى الكريم نبيه بالصفح والإحسان إلى من أساء ليستجلب خاطره فتعود عداوته صداقة ، وبغضه محبة {[2404]} وبهذا أوصانا ربنا في محكم كتابه فقال تبارك اسمه : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ){[2405]} وهذا خلق رضي دعينا إليه ونودينا للاستقامة عليه ما لم يؤد إلى ثلم الدين والمروءة {[2406]} ؛ وكأن الصفح مطلوب ، والإحسان حسن ، وبذل لاستطاعة فيه أحسن ، يقول صاحب [ الجامع لأحكام القرآن ] : قوله تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } أمر بالصفح ومكارم الأخلاق ؛ فما كان منها لهذه الأمة فيما بينهم فهو محكم باق في الأمة أبدا ، وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال اه . لكن الاتجاه إلى أن الآية محكمة أمثل ، فإن المداراة مستحبة ما لم تؤد إلى محذور ؛ نحن أعلم بما يفترونه على الله تعالى من كذب ، وبالذي يصفونك به من الباطل والسوء ، وسنجازيهم على جميع ذلك ، فلا يحزنك قولهم ، { واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ){[2407]} .


[2402]:ما بين العارضتين أورده ابن كثير.
[2403]:مما أورد الألوسي.
[2404]:مما أورد ابن كثير.
[2405]:سورة فصلت. الآيتان:34، 35
[2406]:مما أورد الألوسي.
[2407]:سورة هود. الآية 10