{ 70 - 71 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
يأمر تعالى المؤمنين بتقواه ، في جميع أحوالهم ، في السر والعلانية ، ويخص منها ، ويندب للقول السديد ، وهو القول الموافق للصواب ، أو المقارب له ، عند تعذر اليقين ، من قراءة ، وذكر ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وتعلم علم وتعليمه ، والحرص على إصابة الصواب ، في المسائل العلمية ، وسلوك كل طريق يوصل لذلك ، وكل وسيلة تعين عليه .
ومن القول السديد ، لين الكلام ولطفه ، في مخاطبة الأنام ، والقول المتضمن للنصح والإشارة ، بما هو الأصلح .
ثم أمرهم - سبحانه - بمراقبته وبالخوف منه ، بعد أن نهاهم عن التشبه ببنى إسرائيل فى إيذائهم لنبيهم فقال : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } .
والقول السديد : هو القول الصادق الصحيح الخالى من كل انحراف عن الحق والصواب ، مأخوذ من قولك : سدد فلان سهمه يسدده ، إذا وجهه بإحكام إلى المرمى الذى يقصده فأصابه . ومنه قولهم : سهم قاصد . إذا أصاب الهدف .
أى : يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وراقبوه وخافوه فى كل ما تأتون وما تذرون ، وفى كل ما تقولون وما تفعلون ، وقولوا قولا كله الصدق والصواب .
فإنكم إن فعلتم ذلك { يُصْلِحْ } الله - تعالى - { لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }
بعد أن نهى الله المسلمين عما يؤذي النبيء صلى الله عليه وسلم ورَبأَ بِهم عن أن يكونوا مثل الذين آذوا رسولهم ، وجه إليهم بعد ذلك نداء بأن يتَّسِموا بالتقوى وسداد القول لأن فائدة النهي عن المنكر التلبّسُ بالمحامد ، والتقوى جماع الخير في العمل والقول . والقول السديد مبثّ الفضائل .
وابتداء الكلام بنداء الذين آمنوا للاهتمام به واستجلاب الإِصغاء إليه . ونداؤهم بالذين آمنوا لما فيه من الإِيماء يقتضي ما سيؤمرون به . ففيه تعريض بأن الذين يصدر منهم ما يؤذي النبيء صلى الله عليه وسلم قصداً ليسوا من المؤمنين في باطن الأمر ولكنهم منافقون ، وتقديم الأمر بالتقوى مشعر بأن ما سيؤمرون به من سديد القول هو من شُعَب التقوى كما هو من شعب الإِيمان .
والقول : الكلام الذي يصدر من فم الإِنسان يعبر عما في نفسه . والسديد : الذي يوافق السداد . والسداد : الصواب والحقُ ومنه تسديد السهم نحو الرمية ، أي عدم العدول به عن سمْتها بحيث إذا اندفع أصابها ، فشمل القولُ السديد الأقوال الواجبة والأقوال الصالحة النافعة مثل ابتداء السلام وقول المؤمن للمؤمن الذي يحبّه : إني أحبك .
والقول يكون باباً عظيماً من أبواب الخير ويكون كذلك من أبواب الشر . وفي الحديث : « وهل يَكُبّ الناس في النار على وجوههم إلاّ حصَائِد ألسنتهم » ، وفي الحديث الآخر : « رحم الله امرأ قال خيراً فغنم أو سكت فسلم » ، وفي الحديث الآخر : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » .
ويشمل القولُ السديد ما هو تعبير عن إرشاد من أقوال الأنبياء والعلماء والحكماء ، وما هو تبليغ لإِرشاد غيره من مأثور أقوال الأنبياء والعلماء . فقراءة القرآن على الناس من القول السديد ، ورواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من القول السديد . وفي الحديث : « نضَّر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها » وكذلك نشر أقوال الصحابة والحكماء وأيمة الفقه . ومن القول السديد تمجيد الله والثناء عليه مثل التسبيح . ومن القول السديد الأذان والإِقامةُ قال تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب } في سورة فاطر [ 10 ] . فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق بين الناس فيرغبون في التخلق بها ، وبالقول السيّئ تشيع الضلالات والتمويهات فيغتر الناس بها ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً . والقول السديد يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولما في التقوى والقولِ السديد من وسائل الصلاح جُعل للآتي بهما جزاءٌ بإِصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب . وهو نشر على عكس اللف ، فإصلاح الأعمال جزاء على القول السديد لأن أكثر ما يفيده القول السديد إرشاد الناس إلى الصلاح أو اقتداء الناس بصاحب القول السديد .
وغفرانُ الذنوب جزاء على التقوى لأن عمود التقوى اجتناب الكبائر وقد غفر الله للناس الصغائر باجتناب الكبائر وغفر لهم الكبائر بالتوبة ، والتحولُ عن المعاصي بعدَ الهمّ بها ضرب من مغفرتها .
ثم إن ضميري جمع المخاطب لما كان عائدين على الذين آمنوا كانا عامَّيْن لكل المؤمنين في عموم الأزمان سواء كانت الأعمال أعمال القائلين قولاً سديداً أو أعمال غيرهم من المؤمنين الذين يسمعون أقوالهم فإنهم لا يخلون من فريق يتأثر بذلك القول فيعملون بما يقتضيه على تفاوت بين العاملين ، وبحسب ذلك التفاوت يتفاوت صلاح أعمال القائلين قولاً سديداً والعاملين به من سامعيه ، وكذلك أعمال الذي قال القول السديد في وقت سماعه قولَ غيره . وفي الحديث : « فَرَّب حامل فقه إلى من هو أفقه منه » ، فظهر أن إصلاح الأعمال متفاوت وكيفما كان فإن صلاح المعمول من آثار سداد القول ، وكذلك التقوى تكون سبباً لمغفرة ذنوب المتقي ومغفرة ذنوب غيره لأن من التقوى الانكفاف عن مشاركة أهل المعاصي في معاصيهم فيحصل بذلك انكفاف كثير منهم عن معاصيهم تأسياً أو حياء فتتعطل بعض المعاصي ، وذلك ضرب من الغفران فإن اقتدى فاهتدى فالأمر أجدر .
وذكر { لكم } مع فعلي { يصلح -ويَغفر } للدلالة على العناية بالمتقين أصحاب القول السديد كما في قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] .
وجملة { ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } عطف على جملة { يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم } أي وتفوزوا فوزاً عظيماً إذا أطعتم الله بامتثال أمره . وإنما صيغت الجملة في صيغة الشرط وجوابه لإِفادة العموم في المطيعين وأنواع الطاعات فصارت الجملة بهذين العمومين في قوة التذييل . وهذا نسج بديع من نظم الكلام وهو إفادة غرضين بجملة واحدة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، اتقوا الله أن تعصوه، فتستحقوا بذلك عقوبته.
وقوله:"وَقولوا قَوْلاً سَدِيدا" يقول: قولوا في رسول الله والمؤمنين قولاً قاصدا غير جائز، حقا غير باطل... عن الكلبي "وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا "قال: صدقا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{اتقوا الله} لا تعصوه، واعملوا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر {وقولوا قولا سديدا} ومروا الناس بالمعروف، وانهوهم عن المنكر.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} فيه ستة تأويلات:
الخامس: هو الذي يوافق ظاهره باطنه، السادس: أنه ما أريد به وجه الله دون غيره، ويحتمل سابعاً: أن يكون الإصلاح بين المتشاجرين، وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
القول السديد كلمةُ الإخلاص، وهي الشهادتان عن ضميرٍ صادق، ويقال سدادُ أقوالِكم سدادُ أعمالِكم، ولقد هَوَّن عليكم الأمرَ فَمَنْ رضي بالقالة -وهي الشهادة بأن تَرَك الشِّرْك- وقالها بِصِدْقٍ أصلح اللَّهُ له أعمالَه الدنيوية من الخَلَل، وغَفَرَ له في الآخرة الزَّلَل؛ أي حصلت له سعادةُ الدارين.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة: من تقبل حسناتكم والإثابة عليها، ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها.
أرشدهم إلى ما ينبغي أن يصدر منهم من الأفعال والأقوال، أما الأفعال فالخير، وأما الأقوال فالحق؛ لأن من أتى بالخير وترك الشر فقد اتقى الله، ومن قال الصدق قال قولا سديدا.
ثم وعدهم على الأمرين بأمرين: على الخيرات بإصلاح الأعمال فإن بتقوى الله يصلح العمل والعمل الصالح يرفع ويبقى فيبقى فاعله خالدا في الجنة، وعلى القول السديد بمغفرة الذنوب.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه، وأن يعبدوه عبادة مَنْ كأنه يراه، وأن يقولوا {قَوْلا سَدِيدًا} أي: مستقيما لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما نهاهم عن الأذى، أمر بالنفع ليصيروا وجهاء عنده سبحانه، مكرراً للنداء استعطافاً وإظهاراً للاهتمام فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي ادعوا ذلك.
ولما كان قد خص النبي صلى الله عليه وسلم في أول السورة بالأمر بالتقوى، عم في آخرها بالأمر بها مردفاً لنهيهم بأمر يتضمن الوعيد ليقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه فقال: {اتقوا الله} أي صدقوا دعواكم بمخافة من له جميع العظمة، فاجعلوا لكم وقاية من سخطه بأن تبذلوا له جميع ما أودعكم من الأمانة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويوجه القرآن المؤمنين إلى تسديد القول وإحكامه والتدقيق فيه، ومعرفة هدفه واتجاهه، قبل أن يتابعوا المنافقين والمرجفين فيه؛ وقبل أن يستمعوا في نبيهم ومرشدهم ووليهم إلى قول طائش ضال أو مغرض خبيث.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بعد أن نهى الله المسلمين عما يؤذي النبيء صلى الله عليه وسلم ورَبأَ بِهم عن أن يكونوا مثل الذين آذوا رسولهم، وجه إليهم بعد ذلك نداء بأن يتَّسِموا بالتقوى وسداد القول لأن فائدة النهي عن المنكر التلبّسُ بالمحامد، والتقوى جماع الخير في العمل والقول. والقول السديد مبثّ الفضائل.
وابتداء الكلام بنداء الذين آمنوا للاهتمام به واستجلاب الإِصغاء إليه. ونداؤهم بالذين آمنوا لما فيه من الإِيماء يقتضي ما سيؤمرون به. ففيه تعريض بأن الذين يصدر منهم ما يؤذي النبيء صلى الله عليه وسلم قصداً ليسوا من المؤمنين في باطن الأمر ولكنهم منافقون، وتقديم الأمر بالتقوى مشعر بأن ما سيؤمرون به من سديد القول هو من شُعَب التقوى كما هو من شعب الإِيمان.
والقول: الكلام الذي يصدر من فم الإِنسان يعبر عما في نفسه.
والسديد: الذي يوافق السداد، والسداد: الصواب والحقُ ومنه تسديد السهم نحو الرمية، أي عدم العدول به عن سمْتها بحيث إذا اندفع أصابها، فشمل القولُ السديد الأقوال الواجبة والأقوال الصالحة النافعة، مثل ابتداء السلام وقول المؤمن للمؤمن الذي يحبّه: إني أحبك.
والقول يكون باباً عظيماً من أبواب الخير ويكون كذلك من أبواب الشر. وفي الحديث: « وهل يَكُبّ الناس في النار على وجوههم إلاّ حصَائِد ألسنتهم».
ويشمل القولُ السديد ما هو تعبير عن إرشاد من أقوال الأنبياء والعلماء والحكماء، وما هو تبليغ لإِرشاد غيره من مأثور أقوال الأنبياء والعلماء.