{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا } أي : خبر من عند الله ، لا من عند أنفسنا { أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } أي : كذب بأخبار الله ، وأخبار رسله ، وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم ، وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما ، والترهيب من ضد ذلك ، ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير ، فأنكر ربه ، وكفر ، وجادل في ذلك ظلما وعنادا .
ثم حكى - سبحانه - الجملة الخامسة التى أمر موسى وهارون أن يخاطبا بها فرعون فقال : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى } .
أى : وقولا له { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ } من عند ربنا وخالقنا { أَنَّ العذاب } فى الدنيا والآخرة { على مَن كَذَّبَ } بآياته وحججه - سبحانه - { وتولى } عنها . وأعرض عن الاستجابة لها .
وبذلك نرى فى هذه الآيات الكريمة أسمى ألوان الدعوة إلى الحق وأحكمها ، فهى قد بدأت بالأساس الذى تقوم عليه كل رسالة سماوية { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } وثنت ببيان أهم ما أرسل موسى وهارون من أجله ، { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } وثلثت بإقامة الأدلة على صدقهما { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } وربعت بالترغيب والاستمالة { والسلام على مَنِ اتبع الهدى } .
ثم ختمت بالتحذير والترهيب من المخالفة { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى } .
{ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } أي : قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متحمض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته ، كما قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } [ النازعات : 37 - 39 ] وقال تعالى : { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [ الليل : 14 - 16 ] وقال تعالى : { فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } [ القيامة : 31 ، 32 ] . أي : كذب بقلبه وتولى بفعله .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنّ الْعَذَابَ عَلَىَ مَن كَذّبَ وَتَوَلّىَ * قَالَ فَمَن رّبّكُمَا يَمُوسَىَ * قَالَ رَبّنَا الّذِيَ أَعْطَىَ كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَىَ } .
يقول تعالى ذكره لرسوله موسى وهارون : قولا لفرعون إنا قد أوحى إلينا ربك أن عذابه الذي لا نفاد له ، ولا انقطاع على من كذب بما ندعوه إليه من توحيد الله وطاعته ، وإجابة رسله وَتَوّلى يقول : وأدبر مُعرضا عما جئناه به من الحقّ ، كما :
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " أنّ العَذَابَ عَلى مَنْ كَذّبَ وَتَوَلّى " كذّب بكتاب الله ، وتولى عن طاعة الله .
قوله { إنَّا قد أُوْحِيَ إلينا } تعريض لإنذاره على التكذيب قبل حصوله منه ليبلغ الرسالة على أتمّ وجه قبل ظهور رأي فرعون في ذلك حتى لا يجابهه بعد ظهور رأيهِ بتصريح توجيه الإنذار إليه . وهذا من أسلوب القول اللّين الذي أمرهما الله به .
وتعريف العَذَابَ تعريف الجنس ، فالمعرّف بمنزلة النكرة ، كأنّه قيل : إنّ عذاباً على من كذّب .
وإطلاق السّلام والعذاب دون تقييد بالدنيا أو الآخرة تعميم للبشارة والنذارة ، قال تعالى في سورة النازعات ( 25 ، 26 ) : { فأخذه الله نكالَ الآخرة والأولى } إنّ في ذلك لعبرةً لمن يخشى .
وهذا كلّه كلام الله الذي أمرهما بتبليغه إلى فرعون ، كما يدلّ لذلك تعقيبه بقوله تعالى : { قال فمَن ربُّكما يا موسى } [ طه : 49 ] على أسلوب حكاية المحاورات . وما ذكر من أول القصة إلى هنا لم يتقدّم في السور الماضية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.