مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّا قَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡنَآ أَنَّ ٱلۡعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (48)

أما قوله : { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } فاعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أن عقاب المؤمن لا يدوم وذلك لأن الألف واللام في قوله : { العذاب } تفيد الاستغراق أو تفيد الماهية وعلى التقديرين يقتضي انحصار هذا الجنس فيمن كذب وتولى فوجب في غير المكذب المتولي أن لا يحصل هذا الجنس أصلا ، وظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأنه لا يعاقب أحدا من المؤمنين بترك العمل به في بعض الأوقات فوجب أن يبقى على أصله في نفي الدوام لأن العقاب المتناهي إذا حصل بعده السلامة مدة غير متناهية صار ذلك العقاب كأنه لا عقاب فلذلك يحسن مع حصول ذلك القدر أن يقال : إنه لا عقاب ، وأيضا فقوله : { والسلام على من اتبع الهدى } ، وقد فسرنا السلام بالسلامة فظاهره يقتضي حصول السلامة لكل من اتبع الهدى ، والعارف بالله قد اتبع الهدى فوجب أن يكون صاحب السلامة .