{ مُتَّكِئِينَ فِيهَا . . . } أى : فى تلك الجنات . وانتصب لفظ { متكئين } على الحال من ضمير " لهم " والعامل فيه قوله { مفتحة } .
وقوله : { يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } استئناف لبيان حالهم فى الجنات ، أو حال - أيضا - من ضمير " لهم " .
أى : أن المتقين لهم جنات عظيمة . فاتحة لهم أبوابها على سبيل التكريم ويجلسون فيها جلسة الآمن المطمئن المنعم ، حيث يتكئون ويستندون على الآرائك ، ويطلبون أنواعا كثيرة من الفاكهة اللذيذة ، ومن الشراب الطيب ، فيبلى طلبهم فى الحال .
يبدأ المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع وفي الأجزاء ، وفي السمات والهيئات : منظر( المتقين )لهم ( حسن مآب ) . ومنظر( الطاغين )لهم ( شر مآب ) . فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب . ولهم فيها راحة الاتكاء ، ومتعة الطعام والشراب . ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب . وهن مع شبابهن ( قاصرات الطرف )لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن . وكلهن شواب أتراب .
قوله { مُتَّكِئينَ فيها } تقدم قريب منه في سورة يس .
و { يَدْعُونَ } : يَأمرون بأن يجلب لهم ، يقال : دعا بكذا ، أي سأل أن يحضر له . والباء في قولهم : دعا بكذا ، للمصاحبة ، والتقدير : دعا مدعُوَّاً يصاحبه كذا ، قال عدي بن زيد :
ودعَوا بالصَّبوح يوماً فجاءت *** قينَة في يمينها إبريق
قال تعالى في سورة [ يس : 57 ] { لهم فيها فاكهة ولهم ما يَدّعون } .
وانتصب { مُتَّكِئينَ } على الحال من « المتقين » وهي حال مقدرة . وجملة { يَدْعُونَ } حال ثانية مقدرة أيضاً .
والشراب : اسم للمشروب ، وغلب إطلاقه على الخمر إذا لم يكن في الكلام ذكر للماء كقوله آنفاً { هذا مغتسَل بارد وشراب } [ ص : 42 ] . وتنوين { شراب } هنا للتعظيم ، أي شراب نفيس في جنسه ، كقول أبي خراش الهذلي :
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{متكئين فيها}: في الجنة على السرر، {يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"مُتّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَراب": يقول: متكئين في جنات عدن، على سُرر يدعون فيها بفاكهة، يعني بثمار من ثمار الجنة كثيرة، وشراب من شرابها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
كأنه وصف حال اجتماعهم؛ لأن ذلك يدعى إليه بالفواكه والشراب في الدنيا، وأما في حال الانفراد فقل ما يدعون بالشراب، ثم فيه إخبار أنهم يدعون في الجنة بالفواكه والشراب جميعا، وفي الدنيا العرف فيهم أن أهل الشراب قل ما يجمعون بين الفواكه والشراب بوجهين: إما لخوف الضرر بهم إذا جمع، أو لما لا يوجدان. وليس هذان المعنيان في الجنة.
{بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} كأن ذكر الكثرة كناية عن أنواع الفواكه وألوان مختلفة من كل نوع، ليس بعبارة عن الكثرة من نوع واحد.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الاتكاء: الاستناد إلى المساند...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
ذكر كثيرة؛ لأن ما في الجنة كثير لعدم انقطاعه، واتساع وجوده...
السبب في ذكر هذا المعنى أن ديار العرب حارة قليلة الفواكه والأشربة، فرغبهم الله تعالى فيه.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
الاقتصار على الفاكهة للإشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ، فإن التغذي للتحلل ولا تحلل ثمة...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
يدعون فيها: يدل على أن عندهم من يستخدمونه فيما يستدعون كقوله: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون}.
ولما كانت الفاكهة يتنوع وصفها بالكثرة، وكثرتها باختلاف أنواعها، وكثرة كل نوع منها.
ولما كان الشراب نوعاً واحداً وهو الخمر، أفرد..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر إقامتهم ويسر دخولهم، وصف حالهم إذ ذاك فقال: {متكئين فيها} أي ليس لهم شغل سوى النعيم ولا عليهم كلفة أصلاً.
ولما كانت الفاكهة لا يمل منها، والشراب لا يؤخذ منه إلا بقدر الكفاية، وصفها دونه فقال: {وشراب}...