اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مُتَّكِـِٔينَ فِيهَا يَدۡعُونَ فِيهَا بِفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ وَشَرَابٖ} (51)

قد علل أبو البقاء بعلة في «مُتَّكِئِينَ » تقتضي منع «مفتحةً » أن تكونَ حالاً وإن كانت العلة غير صحيحة فقال : ولا يجوز أن تكون - يعني متكئين - حالاً من «للمتقين » ؛ لأنه قد أخبر عنهم قبل الحال . وهذه العلة موجودة في جعل «مُفَتَّحةً » حالاً من للمتقين كما ذكره الزمخشري إلاّ أنّ هذه العلة ليست صحيحة . وهو نظير قولك : «إنَّ لهندٍ ما لاً قائمةً » وأيضاً في عبارته تجوز فإن «للمتقين » لم يخبر عنهم صناعة إنما أخبر عنهم معنى وإلا فقد أخبر عن «حُسْنَ مَآبٍ » بأنه لهم ، وجعل الحوفي العامل مقدراً أي يَدْخُلُونَها مفتحةً .

قوله : { الأبواب } في ارتفاعها وجهان :

أشهرهما عند الناس : أنها مرتفعة باسم المفعول كقوله : { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] . واعترض على هذا بأن «مُفَتَّحَةً » إما حال ، وإما نعت «لجَنَّات » . وعلى التقديرين فلا رابطَ . وأجيب بوجهين :

أحدهما : قول البصريين وهو أن ثَمَّ خبراً مقدراً تقديره الأبوابُ منها .

والثاني : أن «أل » قامت مقام الضمير ، إذ الأصل أبوابها ، وهو قول الكوفيين . وتقدم تحقيق هذا . والوجهان جريان في قوله : { فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى } [ النازعات : 41 ] .

الثاني : أنها مرتفعة على البدل من الضمير في مفتحة العائد على جنات . وهو قول الفارسي . لما رأى خلوّها من الرابط لفظاً ادّعى ذلك . واعترض على هذا بأن هذا من بدل البعض أو الاشتمال وكلاهما لا بدّ فيهما من ضمير فيضطر إلى تقديره كما تقدم . ورجح بعضهم الأول بأن فيه إضماراً واحداً وفي هذا إضماران وتبعه الزمخشري فقال «والأبواب » بدل من الضمير في «مفتحة » أي مفتحة هي الأبواب كقولك : «ضُرِبَ زَيْدٌ الْيَدُ والرِّجْلُ » وهو من بدل الاشْتِمال .

فقوله : «بدل الاشتمال » إنما يعني به الأبواب لأن الأبواب قد يقال : إنها ليست بعض الجنات ، وأما ضرب زيد اليد والرجل فهو بعض من كل ليس إلا .

وقرأ زيد بن علي وأبو حيوة جنات عدن مفتحة برفعها إما على أنها جملة من مبتدأ وخبر ، وإما على أن كل واحدة خبر مبتدأ مضمر أي هِيَ جناتٌ هِيَ مفتحةٌ .

قوله : { مُتَّكِئِينَ } حال من «لهم » العامل فيها مفتحة ، وقيل : العامل «يَدْعُونَ » . و تأخر عنها . وقد تقدم منع أبي البقاء أنها حال من «للمتقين » وما فيه ، و «يَدْعُونَ » يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً إما من ضمير «متكئين » وإما حالاً ثانيةً .

فصل :

اعلم أنه تعالى وصف أحوال أهل الجنة في هذه الآية بأشياء :

أولها : أحوال مساكنهم جنات عدن وذلك يدل على أمرين : أحدهما : كونها بساتينَ . والثاني : كونها دائمةً ليست منقضيةً .

وقوله : { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب } قيل : المراد أن الملائكة يفتحون لهم أبواب الجنة ويُحَيُّونهم بالسلام كما قال تعالى : { حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] . وقيل : الحق أنهم كلما أرادوا انفتاح الأبواب انفتحت لهم وكلما أرادوا انغلاقها انغلقت لهم ، وقيل : المراد من هذا الفتح وصف تلك المساكن بالسِّعة وقُرَّة العيون فيها ، وقوله : { مُتَّكِئِينَ } قد ذكر في آيات أخر كيفية ذلك الاتّكاء فقال في آيةٍ : { عَلَى الأرآئك مُتَّكِئُونَ } [ يس : 56 ] وقال في آخرى : { مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ }[ الرحمن : 76 ] ، وقوله : «يَدْعُونَ فِيهَا » فِي الجنات بألوان الفاكهة وألوان الشراب والتقدير بفاكهة كثيرة وشراب كثير ،