وعند إعلان هذا الوعد القاطع ، وهذه الكلمة السابقة ، يأمر الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يتولى عنهم ، ويدعهم لوعد الله وكلمته ، ويترقب ليبصرهم وقد حقت عليهم الكلمة ، ويدعهم ليبصروا ويروا رأى العين كيف تكون :
( فتول عنهم حتى حين . وأبصرهم فسوف يبصرون . أفبعذابنا يستعجلون ? فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين . وتول عنهم حتى حين . وأبصر فسوف يبصرون ) . .
يعني تعالى ذكره بقوله : ( فَتَوَلّ عَنْهُمْ حّتى حِينٍ ) : فأعرض عنهم إلى حين .
واختلف أهل التأويل في هذا الحين ، فقال بعضهم : معناه إلى الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ ) : أي إلى الموت .
وقال آخرون : إلى يوم بدر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : ف( َتَوَلّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ ) : قال : حتى يوم بدر .
وقال آخرون : معنى ذلك : إلى يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ ) : قال : يوم القيامة .
وهذا القول الذي قاله السديّ ، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن الله توعدهم بالعذاب الذي كانوا يستعجلونه ، فقال : أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْرِض عليهم إلى مجِيء حينه . فتأويل الكلام : فتولّ عنهم يا محمد إلى حين مجِيء عذابنا ، ونزوله بهم .
هذا مفرع على التسلية التي تضمنها قوله : { ولقد سبقَتْ كلِمتُنا } [ الصافات : 171 ] . والتولي حقيقته : المفارقة كما تقدم في قصة إبراهيم { فتولَّوا عنه مُدبرين } [ الصافات : 90 ] ، واستعمل هنا مجازاً في عدم الاهتمام بما يقولونه وترك النكد من إعراضهم .
والحين : الوقت . وأجمل هنا إيماء إلى تقليله ، أي تقريبه ، فالتنكير للتحقير المعنوي وهو التقليل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب إلى القتل ببدر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"فَتَوَلّ عَنْهُمْ حّتى حِينٍ": فأعرض عنهم إلى حين.
واختلف أهل التأويل في هذا الحين؛ فقال بعضهم: معناه إلى الموت...
وقال آخرون: إلى يوم بدر... عن السديّ، في قوله: "فتَوَلّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ": قال: حتى يوم بدر.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلى يوم القيامة...
وهذا القول الذي قاله السديّ، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله توعدهم بالعذاب الذي كانوا يستعجلونه، فقال: "أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ"، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْرِض عليهم إلى مجِيء حينه، فتأويل الكلام: فتولّ عنهم يا محمد إلى حين مجِيء عذابنا، ونزوله بهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل:لا تكافئهم بأذاهم إياك إلى حين، أي لا تقاتلهم،فكيف ما كان، ففيه وجهان من الدلالة: أحدهما: دليل على رسالته حين أخبر أنهم يكونون على الكفر إلى حين الذي ذكر، ويهلكون على ذلك حين قال: {فتولّ عنهم حتى حين}.
والثاني: فيه دليل حفظه إياه وعصمته مما كانوا يهُمّون به من القتل والإهلاك حين منعه من مقاتلتهم، ونهاه عن التعرض لهم إلى وقت معلوم على ما كان منهم من الهم بقتله وإهلاكه لو وجدوا السبيل إليه؛ فدلّ أن الله عز وجل قد عصمه، وحفظه عنهم حين قال لهم ما قال حتى قال عز وجل: {وأبصرهم فسوف
يبصرون} كقوله: {فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} [هود: 55].
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(حتى حين): إلى أن آمرك بقتالهم، وقال قوم: إلى انقضاء مدة الإمهال...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
توَلَّ عنهم -يا محمد- إلى أن تنقضيَ آجالُهم، وتنتهيَ أحوالُهم، وانتظِرْ انقضاءَ أيامِهم، فإنه سينصرم حديثهم وشيكاً.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إلى مدة يسيرة وهي مدّة الكف عن القتال.
المراد ترك مقاتلتهم والثقة بما وعدناهم إلى حين يتمتعون، ثم تحل بهم الحسرة والندامة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ثبت لا محالة بهذا أنه صلى الله عليه وسلم هو المنصور؛ لأنه من المرسلين ومن جند الله بل هو أعلاهم، سبب عن ذلك قوله: {فتولّ} أي فكلف نفسك الإعراض {عنهم} أي عن ردهم عن الضلال قسراً.
{حتى حين} مبهم، وهو الوقت الذي عيناه لنصرك في الأزل.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
هو والذي قبله ظاهران في عدم اختصاص النصرة بما كان في الدنيا...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا مفرع على التسلية التي تضمنها قوله: {ولقد سبقَتْ كلِمتُنا}.
والتولي حقيقته: المفارقة كما تقدم في قصة إبراهيم {فتولَّوا عنه مُدبرين}، واستعمل هنا مجازاً في عدم الاهتمام بما يقولونه وترك النكد من إعراضهم. والحين: الوقت، وأجمل هنا إيماء إلى تقليله أي تقريبه، فالتنكير للتحقير المعنوي وهو التقليل.
قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}.
أي: اتركهم الآن في باطلهم وأعرض عنهم، لماذا والحق سبحانه قادر على نُصْرة دينه من أوله لحظة؟ قالوا: الحق سبحانه يريد أنْ يستشري الباطل، وأنْ يعلو حتى يعضّ الناس فيكرهونه ويضيقون به.
وأيضاً ليتدرب أهل الحق على المحن والشدائد ويَقْوَى عودهم {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} يعني: انظر إلى حالهم وعاقبة أمرهم، وسوف يبصرون هم هذه العاقبة.