ثم لفت - سبحانه - الأنظار إلى مظاهر قدرته فى خلق السموات فقال : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } .
أى : وبنينا وأوجدنا بقدرتنا التى لا يعجزها شئ ، فوقكم - أيها الناس - سبع سماوات قويات محكمات ، لا يتطرق إليهن فطور أو شقوق على مر العصور ، وكر الدهور .
فقوله { شِدَاداً } جمع شديدة ، وهى الهيئة الموصوفة بالشدة والقوة .
واللمسة الثالثة في خلق السماء متناسقة مع الأرض والأحياء :
( وبنينا فوقكم سبعا شدادا . وجعلنا سراجا وهاجا . وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا . لنخرج به حبا ونباتا ، وجنات ألفافا ) . .
والسبع الشداد التي بناها الله فوق أهل الأرض هي السماوات السبع ، وهي الطرائق السبع في موضع آخر . . والمقصود بها على وجه التحديد يعلمه الله . . فقد تكون سبع مجموعات من المجرات - وهي مجموعات من النجوم
قد تبلغ الواحدة منها مائة مليون نجم - وتكون السبع المجرات هذه هي التي لها علاقة بأرضنا أو بمجموعتنا الشمسية . . وقد تكون غير هذه وتلك مما يعلمه الله من تركيب هذا الكون ، الذي لا يعلم الإنسان عنه إلا القليل .
إنما تشير هذه الآية إلى أن هذه السبع الشداد متينة التكوين ، قوية البناء ، مشدودة بقوة تمنعها من التفكك والانثناء . وهو ما نراه ونعلمه من طبيعة الأفلاك والأجرام فيما نطلق عليه لفظ السماء فيدركه كل إنسان . . كما تشير إلى أن بناء هذه السبع الشداد متناسق مع عالم الأرض والإنسان ومن ثم يذكر في معرض تدبير الله وتقديره لحياة الأرض والإنسان .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهّاجاً * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجّاجاً } .
يقول تعالى ذكره : وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ : وسقفنا فوقكم ، فجعل السقف بناء ، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت ، وهي سماؤها بناءً ، وكانت السماء للأرض سقفا ، فخاطبهم بلسانهم ، إذ كان التنزيل بلسانهم ، وقال : سَبْعا شِدَادا إذ كانت وثاقا محكمة الخلق ، لا صدوع فيهنّ ولا فطور ، ولا يبليهن مرّ الليالي والأيام .
ناسب بعد ذكر الليل والنهار وهما من مظاهر الأفق المسمى سماء أن يُتبع ذلك وما سبقه من خلق العالم السفلي بذكر خلق العوالم العلوية .
والبناء : جعل الجاعل أو صُنع الصانع بيتاً أو قصراً من حجارة وطين أو من أثواب ، أو من أدَممٍ على وجه الأرض ، وهو مصدر بنى ، فبيت المدَر مبني ، والخيمة مبنيّة ، والطِراف والقبة من الأدم مبنيان . والبناء يستلزم الإعلاء على الأرض فليس الحفر بناء ولا نقر الصخور في الجبال بناء . قال الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا *** بيتاً دعائمه أعز وأطول
فذكر الدعائم وهي من أجزاء الخيمة .
واستعير فعل { بنيْنا } في هذه الآية لمعنى : خلقنا ما هو عَالٍ فوق الناس ، لأن تكوينه عالياً يشبه البناء .
ولذلك كان قوله : { فوقكم } إيماء إلى وجه الشبه في إطلاق فعل { بنينا } وليس ذلك تجريداً للاستعارة لأن الفوقية لا تختص بالمبنيّات ، مع ما فيه من تنبيه النفوس للاعتبار والنظر في تلك السَبع الشداد .
والمراد بالسبع الشداد : السماوات ، فهو من ذكر الصفة وحذف الموصوف للعلم به كقوله تعالى : { حملناكم في الجارية } [ الحاقة : 11 ] ، ولذلك جاء الوصف باسم العدد المؤنث إذ التقدير : سبعَ سماوات .
فيجوز أن يراد بالسبع الكواكب السبعة المشهورة بين الناس يومئذ وهي : زُحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس ، والزُّهْرةُ ، وعطارد ، والقَمرُ . وهذا ترتيبها بحسب ارتفاع بعضها فوق بعض بما دل عليه خسوف بعضها ببعض حين يحول بينه وبين ضوء الشمس التي تكتسب بقية الكواكب النور من شعاع الشمس .
وهذا المحمل هو الأظهر لأن العبرة بها أظهر لأن المخاطبين لا يرون السماوات السبع ويرون هذه السيارات ويعهدونها دون غيرها من السيارات التي اكتشفها علماء الفلك من بعد . وهي ( سَتّورن ) و ( نَبْتُون ) و ( أُورَانُوس ) وهي في عِلم الله تعالى لا محالة لقوله : { ألا يعلم من خلق } [ الملك : 14 ] وأن الله لا يقول إلا حقاً وصدقاً ويقرِّب للناس المعاني بقدر أفهامهم رحمة بهم .
فأما الأرض فقد عدت أخيراً في الكواكب السيارة وحُذف القمر من الكواكب لتبيُّن أن حركته تابعة لحركة الأرض إلا أن هذا لا دخل له في الاستدلال لأن الاستدلال وقع بما هو معلوم مسلم يومئذ والكل من صنع الله .
ويجوز أن يراد بالسماوات السبع طبقات علوية يعلمها الله تعالى وقد اقتنع الناس منذ القدم بأنها سبع سماوات .
وشِداد : جمع شديدة ، وهي الموصوفة بالشدة ، والشدة : القوة .
والمعنى : أنها متينة الخَلققِ قوية الأجرام لا يختل أمرها ولا تنقص على مرّ الأزمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.