{ وَإِذَا بَطَشْتُمْ } أى : وإذا أردتم السطو والظلم والبغى على غيركم { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } .
أى : أخذتموه بعنف وقهر وتسلط دون أن تعرف الرحمة إلى قلوبكم سبيلا .
فأنت ترى أن هودا - عليه السلام - قد استنكر على قومه تطاولهم فى البنيان بقصد التباهى والعبث والتفاخر ، لا بقصد النفع العام لهم ولغيرهم . كما استنكر عليهم انصرافهم عن العمل الصالح الذى ينفعهم فى آخرتهم وانهماكهم فى التكاثر من شئون دنياهم حتى لكأنهم مخلدون فيها ، كما استنكر عليهم - كذلك - قسوة قلوبهم ، وتحجر مشاعرهم ، وإنزالهم الضربات القاصمة بغيرهم بدون رأفة أو شفقة .
و «البطش » الأخذ بسرعة وقوة ، و «الجبار » المتكبر ، ومنه قولهم نخلة جبارة إذا كانت لا تدرك علواً .
ومنه قوله عليه السلام في المرأة التي أبت أن تتنحى عن طريقه «إنها جبارة »{[1]} ، ومنه الجبروت فالمعنى أنكم كفار الغضب ، لكم السطوات المفرطة ، والبوادر من غير تثبت .
قوله : { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } أعقب به موعظتهم على اللهو واللعب والحرص على الدنيا بأن وعظهم على الشدة على الخلق في العقوبة ، وهذا من عدم التوازن في العقول فهم يبنون العلامات لإرشاد السابلة ويصطنعون المصانع لإغاثة العطاش فكيف يُلاقي هذا التفكير تفكيراً بالإفراط في الشدة على الناس في البطش بهم ، أي عقوبتهم .
والبطش : الضرب عند الغضب بسوط أو سيف ، وتقدم في قوله : { أم لهم أيدٍ يبطِشون بها } في آخر الأعراف ( 195 ) .
و { جبارين } حال من ضمير { بطشتم } وهو جمع جبّار ، والجبار : الشديد في غير الحق ، فالمعنى : إذا بطشتم كان بطشكم في حالة التجبر ، أي الإفراط في الأذى وهو ظلم ، قال تعالى : { إن تريد إلاّ أن تكون جبّاراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } [ القصص : 19 ] . وشأن العقاب أن يكون له حَد مناسب للذنب المعاقب عليه بلا إفراط ولا تفريط ، فالإفراط في البطش استخفاف بحقوق الخلق .
وفي « صحيح مسلم » عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صنفان من أهل النار لم أرهما : قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات . . . . " الحديث . ووقع فعل { بطشتم } الثاني جواباً ل { إذا } وهو مرادف لفعل شرطها ، لحصول الاختلاف بين فعل الشرط وفعل الجواب بالعموم والخصوص كما تقدم في قوله تعالى : { وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً } في سورة الفرقان ( 72 ) وإنما يقصد مثل هذا النظم لإفادة الاهتمام بالفعل إذ يحصل من تكريره تأكيد مدلوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.