حكى - سبحانه - ما يقوله أئمة الكفر ، عندما يدورون بأعينهم فى النار ، فلا يرون المؤمنين الذين كانوا يستهزئون بهم فى الدنيا فقال : { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار . . } أى : وقال رؤساء الكفر على سبيل التحسر والتعجب وهم ملقون فى النار مالنا لا نرى معنا فى جهنم رجالاً من فقراء المؤمنين ، كنا نعدهم فى الدنيا من الأراذل الأخساء ، لسوء حالهم ، وقلة ذات يدهم .
قال القرطبى : قال ابن عباس : يريدون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقول أبو جهل : أين بلال ؟ أين صهيب ؟ أين عمار ؟ أولئك فى الفردوس ، واعجبا لأبى جهل ! مسكين أسلم ابنه عكرمة ، وانبته جويرية ، وأسلمت أمه ، وأسلم أخوه ، وكفر هو . قال :
{ وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالا كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا : ما لنا لا نراهم معنا في النار ؟ .
قال مجاهد : هذا قول أبي جهل يقول : ما لي لا أرى بلالا وعمارا وصهيبا وفلانا وفلانا . وهذا مثل ضرب ، وإلا فكل الكفار هذا حالهم : يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم فقالوا : { مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } أي : في الدنيا { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } يسلون أنفسهم بالمحال يقولون : أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم . فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } إلى قوله : { [ وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ . أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ] ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 44 - 49 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىَ رِجَالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مّنَ الأشْرَارِ } : يقول تعالى ذكره : قال الطاغون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه الاَيات ، وهم فيما ذُكر أبو جهل والوليد بن المُغيرة وذووهما : ما لَنا لا نَرَى رِجالاً يقول : ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ يقول : كنا نعدّهم في الدنيا من أشرارنا ، وعنوا بذلك فيما ذُكر صُهَيْبا وخَبّابا وبِلالاً وسَلْمان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ ) قال : ذاك أبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة ، وذكر أناسا صُهيبا وَعمّارا وخبّابا ، كنّا نعدّهم من الأشرار في الدنيا .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يذكر عن مجاهد في قوله : ( وَقالُوا ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأَشْرارِ ) قال : قالوا : أي سَلْمان ؟ أين خَبّاب ؟ أين بِلال ؟ .
الضمير في : { قالوا } لأشراف الكفار ورؤسائهم ، أخبر الله عنهم أنهم يتذكرون إذا دخلوا النار لقوم من مستضعفي المؤمنين فيقولون هذه المقالة ، وهذا مطرد في كل أمة جاءها رسول . وروي أن القائلين من كفار عصر النبي عليه السلام هم أبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، وأهل القليب ومن جرى مجراهم ، قاله مجاهد وغيره ، والمعنى : كنا نعدهم في الدنيا أشراراً لا خلاق لهم ، وأمال الراء { من الأشرار } : أبو عمرو وابن عامر والكسائي ، وفتحها ابن كثير وعاصم ، وأشم نافع وحمزة .
عطف على { هذا فوجٌ مُقتحمٌ معكُم } [ ص : 59 ] على ما قدّر فيه من فعلِ قَول محذوفٍ كما تقدم ، فهذا من قول الطاغين فإنهم الذين كانوا يحقِّرون المسلمين .
والاستفهام في { ما لنا لا نرى رِجالاً } استفهام يلقيه بعضهم لبعض تلهّفاً على عدم رؤيتهم من عرفوهم من المسلمين مكنًّى به عن ملام بعضهم لبعض على تحقيرهم المسلمين واعترافهم بالخطأ في حسبانهم . فليس الاستفهام عن عدم رؤيتهم المسلمين في جهنم استفهاماً حقيقياً ناشئاً عن ظن أنهم يجدون رجال المسلمين معهم إذ لا يخطر ببال الطاغين أن يكون رجال المسلمين معهم ، كيف وهم يعلمون أنهم بضد حالهم فلا يتوهمونهم معهم في العذاب ، ويجوز أن يكون الاستفهام حقيقياً استفهموا عن مصير المسلمين لأنهم لم يروهم يومئذٍ ، إذ قد علموا أن الناس صاروا إلى عالَم آخر وهو الذي كانوا يُنذرون به ، ويكون قولهم : { ما لنا لا نرى رِجالاً } الخ تمهيداً لقولهم : { أتخذناهم سخرِيّاً } على كلتا القراءتين الآتي ذكرهما .
و { الأشرار } : جمع شرَ الذي هو بمعنى الأشر ، مثل الأخيار جمع خَيْر بمعنى الأَخْيَر ، أو هو : جمع شِرِّير ضد الخيِّر ، أي الموصوفين بشر الحالة ، أي كُنا نحسبهم أشقياء قد خسروا لذة الحياة باتّباعهم الإِسلام ورضاهم بشظف العيش ، وهم يعنون أمثال بلال ، وعمار بن ياسر ، وصهيب ، وخباب ، وسلمان . وليس المراد أنهم يعدونهم أشراراً في الآخرة مستحقين العذاب فإنهم لم يكونوا يؤمنون بالبعث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.