ومن ذلك وصفهم القرآن بأنه سحر ، وعجبهم مما يعدهم به من البعث :
وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين . أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون ? أو آباؤنا الأولون ? . .
لقد غفلوا عن آثار قدرة الله فيما حولهم ، وفي ذات أنفسهم . غفلوا عن آثار هذه القدرة في خلق السماوات والأرض وما بينهما ؛ وفي خلق الكواكب والشهب ؛ وفي خلق الملائكة والشياطين ؛ وفي خلقهم هم أنفسهم من طين لازب . . غفلوا عن آثار القدرة في هذا كله ووقفوا يستبعدون على هذه القدرة أن تعيدهم إذا ماتوا وصاروا تراباً وعظاماً ، هم وآباءهم الأولين ! وما في هذا البعث والإعادة من غريب على تلك القدرة ولا بعيد ؛ لمن يتأمل هذا الواقع ويتدبره أقل تدبر ؛ في ضوء هذه المشاهدات التي تحيط بهم في الآفاق وفي أنفسهم .
عطف على جملة { فاستفتهم أهم أشد خلقاً } [ الصافات : 11 ] الآية . والإِشارة في قوله : { إنْ هذا إلاَّ سِحْرٌ مبينٌ } إلى مضمون قوله : { فاستفتهم أهم أشد خلقاً } وهو إعادة الخلق عند البعث ، ويبينه قوله : { أءِذَا مِتْنا وكنا تراباً وعِظاماً إنا لمبْعُوثون } ، أي وقالوا في رد الدليل الذي تضمنه قوله : { أهُم أشد خلقاً أم مَّنْ خلقنا } [ الصافات : 11 ] أي أجابوا بأن ادعاء إعادة الحياة بعد البِلَى كلام سحر مبين ، أي كلام لا يفهم قصد به سحر السامع . هذا وجه تفسير هذه الآية تفسيراً يلتئم به نظمها خلافاً لما درج عليه المفسرون .
وقرأ نافع وحده { إنَّا لَمَبْعُوثُونَ } بهمزة واحدة هي همزة { إنْ } باعتبار أنه جواب { إذا } الواقعة في حيّز الاستفهام فهو من حيز الاستفهام . وقرأ غير نافع { أَإِنا } بهمزتين : إحداهما همزة الاستفهام مؤكدة للهمزة الداخلة على { إذا } .
وقوله : { أوْ ءَاباؤُنَا } قرأه قالون عن نافع وابن عامر وأبو جعفر بسكون واو { أوْ على أن الهمزة مع الواو حرف واحد هو أو } العاطفة المفيدة للتقسيم هنا ووجه العطف ب { أو } هو جعلهم الآباء الأولين قسماً آخر فكان عطفه ارتقاء في إظهار استحالة إعادة هذا القسم لأن آباءهم طالت عصور فنائهم فكانت إعادة حياتهم أوغل في الاستحالة . وقرأ الباقون بفتح الواو على أن الواو واو العطف والهمزة همزة استفهام فهما حرفان . وقدمت همزة الاستفهام على حرف العطف حسب الاستعمال الكثير . والتقدير : وأآباؤنا الأولون مثلنا .
وعلى كلتا القراءتين فرفعه بالعطف على محل اسم { إنّ الذي كان مبتدأ قبل دخول إنّ ، والغالب في العطف على اسم إن يرفع المعطوف اعتباراً بالمحل كما في قوله تعالى : { أن اللَّه بريء من المشركين ورسولُه } [ التوبة : 3 ] أو يجعل معطوفاً على الضمير المستتر في خبر { إن وهو هنا مرفوع بالنيابة عن الفاعل ولا يضر الفصل بين المعطوف عليه الذي هو ضمير متصل وبين حرف العطف ، أو بين المعطوف عليه والمعطوف بالهمزة المفضِي إلى إعمال ما قبل الهمزة فيما بعدها وذلك ينافي صدارة الاستفهام لأن صدارة الاستفهام بالنسبة إلى جملته فلا ينافيها عمل عامل من جملة قبله لأن الإِعمال اعتبار يعتبره المتكلم ويفهمه السامع فلا ينافي الترتيب اللفظي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.