ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من مظاهر نعمه ، على هذا الإِنسان الجاهل والمغرور . فقال - تعالى - : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ . وَهَدَيْنَاهُ النجدين } .
والاستفهام هنا للتقرير ، لأن الله - تعالى - قد جعل له كل ذلك ، ولكنه لم يشكر الله - تعالى - على هذه النعم ، بل قابلها بالجحود والبطر . .
أى : لقد جعلنا لهذا الإِنسان عينين ، يبصر بهما ، وجعلنا له لسانا ينطق به ، وشفتين - وهما الجلدتان اللتان تستران الفم والأسنان - تساعدانه على النطق الواضح السليم .
واقتصر - سبحانه - على العينين ، لأنهما أنفع المشاعر ، ولأن المقصود إنكار ظنه أنه لم يره أحد ، ولأن الإِبصار حاصل بذاتهما .
وذكر - سبحانه - اللسام وذكر معه الشفتين ، للدلالة على أن النطق السليم ، لا يتأتى إلا بوجودهما معا ، فاللسان لا ينطق نطقا صحيحا بدون الشفتين ، وهما لا ينطقان بدونه .
{ وَلِسَانًا } أي : ينطق به ، فَيُعبر عما في ضميره ، { وَشَفَتَيْنِ }{[30084]} يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام ، وجمالا لوجهه وفمه .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي ، عن مكحول قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، قد أنعمت عليك نعماً عظاما لا تحصى عددها ولا تطيق شكرها ، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما ، وجعلت لهما غطاءً ، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك ، وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما . وجعلت لك لسانا ، وجعلت له غلافا ، فانطق بما أمرتك وأحللتُ لك ، فإن عَرَض لك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك . وجعلت لك فرجا ، وجعلت لك سترا ، فأصب بفرجك ما أحللت لك ، فإن عَرَض لك ما حرمت عليك فَأرْخِ عليك سترك . يا ابن آدم ، إنك لا تحمل سخطي ، ولا تطيق انتقامي " {[30085]} .
يقول تعالى ذكره : ألم نجعل لهذا القائل أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا عينين يبصر بهما حُجَج الله عليه ، ولسانا يعبر به عن نفسه ما أراد ، وشفتين ، نعمة منا بذلك عليه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسانا وَشَفَتَيْنِ نِعَم من الله متظاهرة ، يقررك بها كيما تشكره .
وقرن تعالى ( الشفتين ) باللسان لأن نعمة العبارة والكلام لا تصح إلا بالجميع ، وفي الحديث ( يقول الله تعالى ( ابن آدم إن نازعك لسانك إلى ما لا يحل لك فقد أعنتك عليه بشفتين فأطبق ){[11831]}
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ألم نجعل لهذا القائل "أهْلَكْتُ مالاً لُبَدا عينين" يبصر بهما حُجَج الله عليه ، ولسانا يعبر به عن نفسه ما أراد ، وشفتين ، نعمة منا بذلك عليه ... عن قتادة ، قوله : "أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسانا وَشَفَتَيْنِ" ، نِعَم من الله متظاهرة ، يقررك بها كيما تشكره . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ وَلِسَاناً } يترجم به عن ضمائره { وَشَفَتَيْنِ } يطبقهما على فيه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغير ذلك . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقرن تعالى ( الشفتين ) باللسان لأن نعمة العبارة والكلام لا تصح إلا بالجميع ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
فإذا أبان عما في نفسه ، فإنما يبين بما وهبنا له من لدنا من تلك الجارحة التي يتكلم بها ، فإذا غره حديثه ، أو قوة حجته ، فليس فضل ذلك راجعا إليه ، وإنما الفضل لمن وهبه ذلك . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وذِكْر الشفتين مع اللسان لأن الإِبانة تحصل بهما معاً فلا ينطق اللسان بدون الشّفتين ولا تنطق الشفتان بدون اللسان .
ومن دقائق القرآن أنه لم يقتصر على اللسان ولا على الشفتين خلاف عادة كلام العرب أن يقتصروا عليه يقولون : ينطق بلسانٍ فصيح ، ويقولون : لم ينطق ببنت شفة ، أو لم ينبس ببنت شفة ، لأن المقام مقام استدلال فجيء فيه بما له مزيد تصوير لخلق آلة النطق .
وأعقب ما به اكتساب العلم وما به الإِبانة عن المعلومات ، بما يرشد الفكرَ إلى النظر والبحث وذلك قوله : { وهديناه النجدين } .
فاستكمل الكلامُ أصول التعلُّم والتعليم فإن الإِنسان خُلق محباً للمعرفة محباً للتعريف فبمشاعر الإِدراك يكتسب المشاهدات وهي أصول المعلومات اليقينية ، وبالنطق يفيد ما يَعْلَمه لغيره ، وبالهدي إلى الخير والشر يميز بين معلوماته ويمحصها ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وأما «اللسان » ، فهو أهم وسائل ارتباط الإنسان بغيره من ابناء جلدته ، ونقل المعلومات وتبادلها بين أبناء البشر في الجيل الواحد وفي الأجيال المتعاقبة ، وبدون هذه الوسيلة الهامّة من وسائل الارتباط ما كان بإمكان الإنسان اطلاقاً أن يرتقي إلى ما ارتقى إليه في العلم والمعرفة . و«الشفتان » : تلعبان أوّلاً دوراً هامّاً في النطق ، إذ أن الشفتين مخرج لكثير من الحروف ، والشفتان تقومان بدور أيضاً في هضم الطعام والمحافظة على رطوبة الفم ، وشرب الماء ، ترى لو انعدمت الشفتان فماذا كان وضع الإنسان في أكله وشربه ونطقه والمحافظة على ماء فمه وحتى جمال وجهه وشكله ؟ ! ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.