وقوله - سبحانه - { جَزَآءً وِفَاقاً } بيان لعدالة الله - تعالى - معهم ، أى : أننا لم نظلمهم بإلقائهم فى جهنم ، وإنما جازيناهم بذلك جزاء موافقا لأعمالهم السيئة فى الدنيا .
فقوله { جزاء } منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف ، وقوله { وفاقا } صفة له والوفاق مصدر وافق ، وهو هنا بمعنى اسم الفاعل . أى : جوزوا جزاء موافقا لأعمالهم القبيحة التى كانوا يعملونها فى الدنيا .
القول في تأويل قوله تعالى : { جَزَآءً وِفَاقاً * إِنّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذّاباً * وَكُلّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً } .
يقول تعالى ذكره : هذا العقاب الذي عُوقِب به هؤلاء الكفار في الاَخرة ، فعلَه بهم ربهم جزاء ، يعني : ثوابا لهم على أفعالهم وأقوالهم الرديئة التي كانوا يعملونها في الدنيا ، وهو مصدر من قول القائل : وافق هذا العقاب هذا العلم وِفاقا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : جَزَاءً وِفاقا يقول : وافق أعمالهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : جَزَاءً وِفاقا وافق الجزاء أعمال القوم أعمال السوء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع جَزَاءً وِفاقا قال : بحسب أعمالهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، في قوله : جَزَاءً وِفاقا قال : ثواب وافَق أعمالهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : جَزَاءً وِفاقا قال : عملوا شرّا ، فجزوا شرّا ، وعملوا حسنا ، فجزوا حسنا ، ثم قرأ قول الله : ثُمّ كانَ عاقِبَةَ الّذِينَ أساءُوا السّوأى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : جَزَاءً وِفاقا قال : جزاء وافق أعمال القوم .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد جَزَاءً وِفاقا قال : وافق الجزاء العمل .
و { جزاء } منصوب على الحال من ضمير { يذوقون } ، أي حالة كون ذلك جزاء ، أي مُجازًى به ، فالحال هنا مصدر مؤول بمعنى الوصف وهو أبلغ من الوصف .
والوفاق : مصدر وَافق وهو مُؤول بالوصف ، أي موافقاً للعمل الذي جوزوا عليه ، وهو التكذيب بالبعث وتكذيبُ القرآن كما دل عليه التعليل بعده بقوله : { إنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً } [ النبأ : 27 ، 28 ] .
فإن ذلك أصل إصرارهم على الكفر ، وهما أصلان : أحدهما عدميّ وهو إنكار البعث ، والآخر وجوديّ وهو نسبتهم الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن للكذب ، فعوقبوا على الأصل العدمي بعقاب عدمي وهو حِرمانهم من البرد والشراب ، وعلى الأصل الوجودي بجزاء وجودي وهو الحميم يراق على أجسادهم والغساق يمرّ على جراحهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.