مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{جَزَآءٗ وِفَاقًا} (26)

واعلم أنه تعالى لما شرح أنواع عقوبة الكفار بين فيما بعده أنه : { جزاء وفاقا } وفي المعنى وجهان ( الأول ) : أنه تعالى أنزل بهم عقوبة شديدة بسبب أنهم أتوا بمعصية شديدة فيكون العقاب { وفاقا } للذنب ، ونظيره قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } والثاني : أنه { وفاقا } من حيث لم يزد على قدر الاستحقاق ، ولم ينقص عنه وذكر النحويين فيه وجوها : ( أحدها ) : أن يكون الوفاق والموافق واحدا في اللغة والتقدير جزاء موافقا ( وثانيها ) : أن يكون نصبا على المصدر والتقدير جزاء وافق أعمالهم { وفاقا } ( وثالثها ) : أن يكون وصف بالمصدر كما يقال فلان فضل وكرم لكونه كاملا في ذلك المعنى ، كذلك ههنا لما كان ذلك الجزاء كاملا في كونه على وفق الاستحقاق وصف الجزاء بكونه { وفاقا } ( ورابعها ) : أن يكون بحذف المضاف والتقدير جزاء ذا وفاق وقرأ أبو حيوة { وفاقا } فعال من الوفق ، فإن قيل كيف يكون هذا العذاب البالغ في الشدة الغير المتناهي بحسب المدة { وفاقا } للإتيان بالكفر لحظة واحدة ، وأيضا فعلى قول أهل السنة إذا كان الكفر واقعا بخلق الله وإيجاده فكيف يكون هذا وفاقا له ؟ وأما على مذهب المعتزلة فكان علم الله بعدم إيمانهم حاصلا ووجود إيمانهم مناف بالذات لذلك العلم فمع قيام أحد المتنافيين كان التكليف بإدخال المنافي الثاني في الوجود ممتنعا لذاته وعينه ، ويكون تكليفا بالجمع بين المتنافيين ، فكيف يكون مثل هذا العذاب الشديد الدائم وفاقا لمثل هذا الجرم ؟ قلنا يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد .

وأعلم أنه تعالى لما بين على الإجمال أن ذلك الجزاء كان على وفق جرمهم شرح أنواع جرائمهم ، وهي بعد ذلك نوعان :