المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ} (68)

68 - أفرأيتم الماء العذب الذي تشربون منه ، أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له رحمة بكم{[218]} ؟


[218]:المزن هي السحب الممطرة، وعملية الإمطار تتطلب توفر ظروف جوية خاصة لا يمكن أن يسيطر عليها الإنسان، أو يوفرها صناعيا مثل هبوب تيار بارد فوق آخر ساخن، أو حالات عدم الاستقرار في الجو. وقد حاول الإنسان استمطار السحب العابرة صناعيا إلا أن هذه المحاولات لا تزال مجرد تجارب، على أن الثابت علميا أن نجاح هذه التجارب على نطاق ضيق جدا مع وجوب توفر بعض الظروف الملائمة طبيعيا.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ} (68)

ثم ذكر - سبحانه - الدليل الثالث على إمكانية البعث ، وعلى كمال قدرته - تعالى - فقال : { أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } .

أى : وأخبرونى - أيضا - عن الماء الذى تشربونه ، أأنتم الذين أنزلتموه من { المزن } أى : من السحاب أم نحن الذين أنزلناه ؟

لا شك أننا نحن الذين أنزلناه ، ولا تستطيعون إنكار ذلكن لأن إنكاركم لذلك يعتبر نوعا من المكابرة المكشوفة ، والمغالطة المفضوحة .

وتخصيص هذا الوصف ، وهو { الذي تَشْرَبُونَ } بالذكر ، مع كثرة منافع الماء ، لأن الشرب أهم المقاصد التى من أجلها أنزل - سبحانه - الماء من السحاب .

وقوله - سبحانه - : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً . . } بيان لمظهر من مظاهر رحمته - سبحانه - .

ومفعولى المشيئة هنا وفى ما قبله إلى قوله { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً . . . } محذوف ، للاكتفاء عنه بجواب الشرط .

والماء الأجاج : هو الماء الشديد الملوحة والمرارة فى وقت واحد .

أى : لو نشاء أن نجعل هذا الماء النازل من المزن لشربكم ، ماء جامعا بين الملوحة والمرارة لفعلنا ، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة بكم ، وفضلا منا عليكم .

وقوله : { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } حض على الشكر لله - تعالى - أى : فهلا شكرتم الله - تعالى - على هذه النعم ، وأخلصتم له العبادة والطاعة ووضعتم نعمه فى مواضعها .

فالمراد بالشكر هنا : أن يواظب العبد على شكر ربه ، وعلى المداومة على ما يرضيه وعلى استعمال النعم فيما خلقت له .

أما شكر الرب - عز وجل - لعبده فمعناه : منحه الثواب الجزيل ، على عمله الصالح : ومنه قوله - تعالى - : { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ } قال بعض العلماء : واعلم أن مادة الشكر تتعدى إلى النعمة تارة ، وإلى النعم أخرى .

فإن عديت إلى النعمة ، تعدت إليها بنفسها دون حرف الجر ، كقوله - تعالى - : { رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ . . . } وإن عديت إلى المنعم تعدت إليه بحرف الجر الذى هو اللام ، كقوله - تعالى - : { واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ . . . } وقال - سبحانه - هنا : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } وقال فى الآيات السابقة : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً . . } بلام التأكيد ، لأن إنزال الماء من السماء وتحويله من ماء عذب إلى ماء ملح ، مما لا يتوهم أن لأحد قدرة عليه سوى الله - تعالى - لذا لم يحتج الأمر إلى تأكيد . . .

أما جفاف الزرع بعد نضارته ، حتى يعود حطاما ، فمما يحتمل أنه من فعل الزارع ، أو لأى سبب آخر ، كآفة زراعية ، لذا أكد - سبحانه - أنه هو الفاعل لذلك على الحقيقة ، وأنه - تعالى - قادر على تحطيمه بعد نموه وريعانه .