وعلى مشهد النفوس الرهينة بما كسبت ، المقيدة بما فعلت ، يعلن إطلاق أصحاب اليمين من العقال ، وإرسالهم من القيد ، وتخويلهم حق سؤال المجرمين عما انتهى بهم إلى هذا المصير :
( إلا أصحاب اليمين ، في جنات يتساءلون عن المجرمين : ما سلككم في سقر ? قالوا : لم نك من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين ، حتى أتانا اليقين ) . .
وانطلاق أصحاب اليمين وانفلاتهم من الرهن والقيد موكول إلى فضل الله الذي يبارك حسناتهم ويضاعفها . وإعلان ذلك في هذا الموقف وعرضه يلمس القلوب لمسة مؤثرة . يلمس قلوب المجرمين المكذبين ، وهم يرون أنفسهم في هذا الموقف المهين ، الذي يعترفون فيه فيطيلون الاعتراف ،
{ فِي جنات } خبر مبتدأ محذوف والتنوين للتعظيم والجملة استئناف وقع جواب عن سؤال نشأ مما قبله من استثناء أصحاب اليمين كأنه قيل ما بالهم فقيل هم في جنات لا يكتنه كنهها ولا يدرك وصفها وجوز أن يكون الظرف في موضع الحال من أصحاب اليمين أو من ضميرهم في قوله تعالى : { يَتَسَاءلُونَ } قدم للاعتناء مع رعاية الفاصلة وقيل ظرف للتساؤل وليس المراد بتساؤلهم أن يسأل بعضهم بعضاً على أن يكون كل واحد منهم سائلاً ومسؤولاً معاً بل وقوع السؤال منهم مجرداً عن وقوعه عليهم فإن صيغة التفاعل وإن وضعت في الأصل للدلالة على صدور الفعل عن المتعدي ووقوعه عليه معاً بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلاً ومفعولاً معاً كما في قولك تشاتم القوم أي شتم كل واحد منهم الآخر لكنها قد تجرد عن المعنى الثاني ويقصد بها الدلالة على الأول فقط ويكون الواقع عليه شيئاً آخر كما في قولك تراه والهلال قال جار الله إذا كان المتكلم مفرداً يقول دعوته وإذا كان جماعة يقول تداعيناه ونظيره رميته وتراميناه ورأيت الهلال وتراءيناه ولا يكون هذا التفاعل من الجانبين وعلى هدا فالمسؤل محذوف أعني المجرمين والتقدير يتساءلون المجرمين عنهم أي يسألون المجرمين عن أحوالهم فغير إلى ما في النظم الجليل وقيل يتساءلون .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 38]
] {إلا أصحاب اليمين} {في جنات يتساءلون} أصحاب اليمين، هم الذين وصفهم الله تعالى في موضع آخر، في كتابه، وهو قوله عز وجل: {فأما من أوتي كتابه بيمينه} [الحاقة: 19، والانشقاق: 7] فاستثنى أصحاب اليمين من جملة المرتهنين لأنه ذكر الرّهون بلفظ يعبر بها عن الجمع، وهو قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} فاستقام استثناء الجماعة من تلك الجملة أي أصحاب اليمين قد سبقت منهم الأعمال التي يستوجبون بها الإطلاق من الحبس لأن المجرمين صاروا مرهونين بإجرامهم، وأصحاب اليمين قد اكتسبوا الخيرات، وعملوا الصالحات
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم ذكر تعالى حال {أصحاب اليمين} وأنهم في جنات يسأل بعضهم بعضاً عمن غاب من معارفه، فإذا علموا أنهم مجرمون في النار، قالوا لهم أو قالت الملائكة: {ما سلككم في سقر}؟
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدركات.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخرجهم عن حكم الارتهان الذي أطلق على الإهلاك لأنه سببه، استأنف بيان حالهم فقال: {في جنات} أي بساتين في غاية العظم لأنهم أطلقوا أنفسهم وفكوا رقابهم فلم يرتهنوا.
ولما كان السؤال عن حال الغير دالاً دلالة واضحة على الراحة والفراغ عن كل ما يهم النفس، عبر عن راحتهم في أجل وعظ وألطف تحذير بقوله: {يتساءلون *} أي فيما بينهم يسأل بعضهم بعضاً.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{في جنات} أي هم في جنات لا يدرك وصفها {يتساءلون عن المجرمين} أي يسألون عنهم وإيثار صيغة التفاعل للتكثير ومنه.
وقال القاشاني أي يسأل بعضهم بعضا عن حال المجرمين لاطلاعهم عليها وما أوجب تعذيبهم وبقاءهم في سقر.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.